الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

نواكشوط.. تستعيد ساحاتها العامة

تشن السلطات الموريتانية حملةً صامتة في نواكشوط لاستعادة الساحات والقِطع الأرضية العامة المحتلَّة بطرق غير قانونية، ففي أغسطس الماضي استعادت قِطعاً أرضية في مقاطعتي «القصر» و«تفرغ زينة» بالعاصمة، وانطلقت أشغال لبناء ساحتين فيهما، وقبل أسبوع استُعِيدت ثلاث ساحات أخرى، فعسى أن يكون ذلك بداية لسياسة عمرانية رشيدة تُنقِذ المدينة المختنقة.

الساحات العامة بالنسبة للمدن كالرئات التي يتنفس بها البشر، ومدينة نواكشوط شهدت غارةً شاملة على الساحات العامة، لا سيما منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين، وكان المسؤولون ورجال الأعمال والوُجهاء وراء تلك الغارة للاستحواذ على القطع الأرضية الثمينة.

أهمية الساحات العامة للمدن معروفة قديماً، فكان البابليون والمصريون والإغريق والرومان يُنشئونها في مدنهم، بل إن التعلُّق بالساحات والحدائق العامة المفتوحة غريزة بشرية لأنها جزء من الطبيعة. وفي عصرنا نجد ساحات وميادين كثيرة كـ«تيانانمين» ببكين، و«ترافالغار» بلندن، و«الساحة الحمراء» بموسكو، و«ميدان التايمز» بنيويورك، و«ميدان التحرير» بالقاهرة، و«ساحة الشهداء» بالجزائر، و«حديقة العاصمة» بأبوظبي، و«ساحة الوصل» بدبي، التي ستستضيف إكسبو 2020 دبي في فاتح أكتوبر المقبل، و«ساحة الحرية» بنواكشوط، التي بُنِيَت منذ سنوات قُبَالة القصر الرئاسي كرئة تتنفَّس بها المدينة.


وللساحات العامة وظائف اجتماعية وثقافية وجمالية، فالناس يلجؤون إليها للنُّزهة والرياضة، وللتعبير عن أفراحهم وأتراحهم، وهي مركز لجذب السُّياح؛ وقد يلجأ إليها القادة السياسيون لمخاطبة الجماهير، فلقد كان الزعيم فيدل كاسترو يخاطب شعبه في ساحة الاستقلال بهافانا، وكان الرئيس الموريتاني المؤسِّس المختار ولد داداه - رحمه الله - يُلقي خطاباته المهمة في «منصة الاستقلال» التي اختفت للأسف.


لكن الساحات العامة كثيراً ما أقلقت الحكومات لأنها قد تُتَّخذ مُنطَلقاً للاحتجاجات والثورات، كحركة الطلاب في باريس 1968 التي انطلقت من ميدان «الكونكورد»، والاحتجاجات الكثيرة في ميدان «ترافالغار» بلندن، والاعتصامات الضخمة 1989 في ميدان «تيانانمن» ببكين، والثورة المصرية 2011 التي انطلقت من «ميدان التحرير» بالقاهرة.

وفي نواكشوط كان بعض السكان يقصدون الفراغات المحيطة بالمباني الحكومية المعروفة بـ«بلوكات»، قبل هدمها 2009، للتمتُّع بظلها الوارف وهوائها النقي، ويقال إن المؤرخ العلامة المختار ولد حامد كان يؤمُّها للغرض ذاته، وبعد هدمها استغلَّ الشباب أنقاضها وفراغاتها سنة 2011 لتنظيم احتجاجات تطالب برحيل الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبدالعزيز.