الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الإرث الاستعماري.. «الغفران» و «التعويض»

عندما طُرحت قضية الحوار بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة، قبل سنوات ليست بالقليلة، بسبب حاجة الدول الصناعية المتقدّمة لذلك ولأهداف وغايات كثيرة أهمها ضمان مصالحها، ظهرت معوّقات كثيرة لهذا الحوار، منها: الإرث الاستعماري الثقيل الذي خلّفته الدول الاستعمارية الأوروبية.

لقد قامت دول الشمال باقتراح عدة شراكات على دول الجنوب في تسعينات القرن الفائت، وخاض الطرفان جولات كثيرة حول ذلك، وكان ممّا عرضته الدول الأوروبية فكرة «المسامحة» أو الغفران، وهو أن تقوم الدول التي تم استعمارها من قِبَلها بمسامحتها على ماضيها الاستعماري، حتى يمضي الحوار بشكل مُثمر، لكنّ الدول الأفريقية رفضت ذلك واشترطت فكرة «التعويض»، أي أن تقوم هذه الدول بتعويضها مادياً عما تسببت به لشعوبها من احتلال وقتل ونهب واستغلال وغير ذلك، الأمر الذي تهربت منه الدول الأوروبية، وقد طالب الأفارقة بالتعويض عن ثلاثة أمور:

الأول: الضحايا الذين لقوا حتفهم، بسبب قيام الأوروبيين الذين اكتشفوا القارة الأمريكية بأخذ ملايين الأفارقة كعبيد لإعمار الأرض الجديدة في رحلات عبر المحيط الأطلسي امتدت لعشرات السنين، وعانى معظهم هناك - لفترات تاريخية كبيرة - من الاستعباد والاسترقاق.


الثاني: مرحلة الاستعمار الأوروبي الحديث للدول الأفريقية، ويملك الأفارقة الأدلة والوثائق والأرقام عمّا تم اقترافه بحقهم من قِبَل دول الشمال المستعمِرة.


الثالث: التبعية للدول الأوروبية وخاصة الاقتصادية، وهي بمئات الأوجه والأشكال ومستمرة لغاية اليوم، فهناك على سبيل المثال (14) دولة أفريقية ما زالت تدفع ضرائب كبيرة لفرنسا سنوياً تحت اسم «ضريبة احتلال» أو «الدين الاستعماري».

إن ما يجري اليوم بين فرنسا والجزائر حول هذا الموضوع، دليل على ضرورة أن تقوم الدول الأوروبية بحل هذا الملف التاريخي، إلا أن الأمر ما زال يُراوح مكانه، وما زالت فرنسا ترفض الاعتراف به، فقبل أشهر مثلاً، أبدى ملك بلجيكا فيليب أسفه عن ماضي بلاده الاستعماري في أفريقيا، وقد قامت بوروندي بالانضمام إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، للمطالبة بمبلغ (43) مليار دولار من بلجيكا كتعويض عن ذلك، لكن الحكومة البلجيكية لم ترد على هذا الطلب، والأمثلة كثيرة على ذلك.

إن الاعتذار والاعتراف ثم التعويض، مطالب ما زالت الدول المتحررة من قبضة الاستعمار الأوروبي تُطالب بها، وهي كما يقال لا تسقط بالتقادم، وأعتقد أنها لن تتنازل عنها، ولن يُكتب لأي حوار أو تعاون مستقبلي تتبناه الدول الغربية النجاح، ما لم يتم تسوية هذه القضية على الأقل.