الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

حروب الاستنزاف.. والفراغات العسكرية

منذ 2001، راحت الولايات المتحدة تخوض حرباً ضد الإرهاب بمسميات مختلفة في أفغانستان وفي العراق بشكل مباشر، وعمليات خاطفة في بلدان أخرى.. وبعد سنوات طويلة انسحبت من العراق، دون تحقيق الهدف المعلن «إنشاء دولة عراقية نموذجية في الشرق الأوسط»، ورغم الإنفاق الضخم لا يزال هذا البلد يعاني على كل الأصعدة. وبعد 20 عام، انسحبت من أفغانستان، أنفقت خلالها 2 تريليون دولار، وخسرت أكثر من 2000 قتيل، ثم خرجت كأنها لم تدخل قط ذلك الباب في الشرق الأقصى، فطالبان عادت للحكم كما كانت وأقوى!

ضف إلى ذلك، تتواجد أمريكا بشكل أو بآخر في كل جبهات القتال المفتوحة من ليبيا وسوريا إلى الساحل الأفريقي «أفريكوم»، ولكل منها تكاليف.

ومنذ 2013 خاضت فرنسا هي الأخرى الحرب ضد «المسلحين» طيلة 8 سنوات بمسميات وعمليات مختلفة، براخان، سيرفال، قوة الساحل5، وقوة تاكوبا.. ثم انسحبت تاركة الجماعات الإرهابية أقوى مما كانت عليه، وليس مستبعداً أن يتم الإنسحاب «الغربي» من بؤر أخرى للنزاعات.

في الوقت الذي انشغل به «الغرب» بمعناه الكلاسيكي بمثل هذه الحروب، كانت الكتلة المنافسة له «مجموعة البريكس» (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا والدول التي تسير في فلكها) تحقق تطورات لافتة في مختلف المجالات، بينما حصد الغرب «الاستنزاف»، وإذا طبقنا عليه نظرية «دورة الحضارة» فسيصبح الأمر مخيفاً للغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية.

لذلك يبدو أن الانسحاب من بؤر التوتر، سيجعل مجموعة البريكس، تواجه المخاوف ذاتها التي حاربتها أمريكا منذ 2001، سواء أكانت على حق أم لا، بانشغالها بمحاربة «الإرهاب»، وهي محاربة حتمية، لأن أفغانستان تقع على حدود عدة بلدان «بريكسية».

الصين، لا تريد أن ينفذ إليها تأثير التيار الإسلامي السُني لأقلية الإيغور، وسوف تتعامل بصرامة مع أي تهديد من جانب أفغانستان، وهو أمر قد يولّد فكرة القتال ضدها مثلما حصل في السبعينات ضد الاتحاد السوفييتي.

لكن في حالة ما إذا التزمت طالبان بوعودها وتمكنت الصين من ربط أفغانستان بطريق الحرير الدولي، فإن ذلك سيكون له تأثير استراتيجي كبير، حيث ستصبح أفغانستان عملياً وطبيعياً «متعلقة» بمجموعة البريكس.

أما روسيا التي تتخوف كما قال وزير خارجيتها من «الإرهاب السري» في آسيا الوسطى على الحدود معها، فإنها تعرف جيداً معنى ذلك بعد تجربتها الأفغانية في السبعينات ومع الشيشان بعد ذلك.

وتقريباً الحسابات ذاتها بالنسبة للهند وإيران، ولو أن أوراق كل دولة مختلفة عن الدولة الأخرى، لذلك لا يمكن استبعاد إشغال الصين وروسيا وإيران والهند بهذا الفراغ العسكري عن مشاريعها التنموية !