الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

تونس.. الخصوم وحجب الحقيقة

تأخّرَ الرئيس التونسي قيس سعيّد في الإفصاح عن اسم رئيس الحكومة وعن تقديم خارطة الطريق التي ستنظم المرحلة المقبلة في تونس. تأخر يُقرأُ بطرق متباينة، ويحيل إلى انتظارات مختلفة من الرئيس.

المسافة الزمنية التي تفصل عن يوم 25 يوليو الماضي، مثلت فرصة لمعارضي الرئيس للملمة شتاتهم للتصويب على المرحلة الجديدة.

برر سعيّد تأخره في إعلان المكلف بتشكيل الحكومة، بأنه من المهم تشكيل الحكومة، لكن الأهم هو وضع تصوّر السياسة التي ستتبعها هذه الحكومة لخدمة الشعب التونسي.


أصبح واضحاً أن سعيّد لا يضبط إيقاع سياساته على حسابات معارضيه. يؤرخ المعارضون وضع البلاد انطلاقاً من لحظة «الانقلاب»، لكن سعيّد وفئات واسعة من الشعب يرون وضع البلاد بوصفه نتاجاً لحكم منظومة عاثت في البلاد فساداً. على ذلك فإن بطء خطوات سعيد لا يُقيّمُ بالأدوات نفسها بين أنصار الرئيس ومعارضيه.


المفارقة أن الأحزاب والشخصيات التي عبّرت عن نفاد صبرها من بطء الرئيس كانت هي نفسها تدعو التونسيين طيلة سنوات إلى الصبر على شرعية زائفة أطنبت في الوعود. تأخر قيس سعيد في إعلان الحكومة يحيل أيضاً إلى الطريقة السابقة التي كانت تُشكلُ بها الحكومات التي تعاقبت على حكم البلاد، والتي كانت تعيّنُ دون أي برنامج أو سياسة واضحة. كان المهم وقتها تشكيل الحكومة وتقسيم المناصب بين الأحزاب، أما البرامج فقد كانت خارج اهتمامات الفاعلين السياسيين.

على أن كل ذلك لا يحجب حقيقة مهمة مفادها أن كل بطء في خطوات سعيد من شأنه أن يخدم معارضيه ويوفر لهم مزيداً من الحجج. حيث واظبت شخصيات وأحزاب أبعدتهم قرارات 25 يوليو عن الحكم، على التركيز على هذا التأخر وربطه بالوضع الاقتصادي المتردي في البلاد الذي لا يتحمل أي بطء أو ارتجال. ربْط لا يخلو من وجاهة لكنه لا يحجب حقيقة تقوم على أن الطبقة السياسية التي كانت تحكم تونس كانت تتقنُ تبديد الوقت من أجل أهداف لا صلة لها بالحكم الرشيد، بل تنتمي إلى قواميس الفساد والتمكين.

أصبح قيس سعيد أمام حتمية الإسراع في خطواته السياسية، سواء تعلقت بتشكيل الحكومة أو بإعلان الحرب على الفساد المالي والسياسي، لأن ذلك سيعزز رصيده الشعبي ويلجم معارضيه الذين لا يرون ضيراً في الاستقواء بالخارج، وسيوجه كل المجهود السياسي نحو المشاغل الاقتصادية والاجتماعية.. كلما تأخر قيس سعيد وفر الفرص لمعارضيه في الداخل وفي الخارج.