الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

غينيا.. تاريخ حافل بالانقلابات

في أفريقيا هناك ثوابت سياسية هي الانقلابات العسكرية، فلا تكاد حكومة تستقر حتى تأتي طغمة عسكرية لتستولي على الحكم، وغينيا ليست استثناء، فتاريخها حافل بالانقلابات. ورغم أنها غنية بالموارد الطبيعية كالحديد والذهب والماس، ولديها ربع احتياطات العالم من البوكسيت الذي يُصنع منه الألمنيوم، فلا أثر لثرواتها في شعبها الذي ظل يعاني الفقر والفساد وعدم الاستقرار السياسي.

قبل أسبوعين، استيقظ سكان العاصمة كوناكري بعد نوم هادئ، على دَوِيِّ المدافع وهدير الطائرات العسكرية ليدركوا أن انقلاباً جديداً - وهو الخامس من نوعه في أفريقيا خلال 12 شهراً - قد وقع في بلادهم، إذ سبقه انقلابان في مالي 2020 و2021، ومحاولة انقلاب في النيجر 2021، وشبه انقلاب في تشاد 2021.

وكما يحدث في كل انقلاب، أعلن الانقلابيون أنهم تحركوا للقضاء على الفساد ونهب الثروات وأنهم جاؤوا لمصلحة الشعب وتأسيس الديمقراطية، وأن «زمن الطابع الفردي للحياة السياسية في غينيا قد انتهى، ولن نعهد بالسياسة إلى فرد، بل إلى الشعب»، كما قال قائدهم العقيد مامادي دومبويا (41 سنة).


الرئيس الشرعي ألفا كوندي (83 سنة) المطاح به كان الرئيس الغيني الوحيد الذي وصل إلى الحكم عن طريق الانتخابات 2010، أمَّا مَن قبله، فقد انتخبتهم حسابات القوة والنفوذ أو الدبابات، وجميعهم قالوا إنهم جاؤوا لمصلحة الشعب والقضاء على الفقر والفساد، ولكن ظل الفقر والفساد يزدادان سوءاً؛ بل كان كلُّ خلَف أكثر فساداً واستبداداً من سلَفه. فألفا كوندي قال حين انتخابه إنه سيعزز الديمقراطية، لكنه غيّر الدستور في 2020 ليترشح مرة ثالثة! وبعد وقوع الانقلاب الأخير سارع العالم الغربي كالعادة إلى إدانته والمطالبة بالعودة إلى الحياة الدستورية والإفراج عن ألفا كوندي، وعلَّق الاتحاد الأفريقي مشاركة غينيا في أنشطته، وكذلك فعلت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) التي فرضت أيضاً يوم الخميس الماضي عقوبات فردية على الانقلابيين.


لكن المواقف الدولية والإقليمية في مثل هذه الحالات تحكمها السياسات النفعية (البراغماتية)، إذ سرعان ما تعترف الدول بالأمر الواقع وتتعامل مع الانقلابيين بشكل طبيعي، ولهذا السبب لن تشهد أفريقيا استقراراً سياسياً؛ فكلما سنَحت فرصة لطُغمة عسكرية، ركِبت دباباتها واستحوذت على السلطة «لمصلحة الشعب»، لتظل القارة السمراء ساحة للانقلابات البيضاء والحمراء.