الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

ليبيا.. الشارع وصناعة الأزمة

صَوّتَ البرلمان الليبي على سحب الثقة من حكومة عبدالحميد الدبيبة. إجابة الأخير لم تكن من جنس خطوة البرلمان. استعاض الدبيبة بالشارع عن لغة القانون والدستور، وكان بإمكانه أن يطعن في قرار البرلمان انطلاقاً من مؤاخذات قانونية كثيرة أثارها خصومه قبل مناصريه.

فوّتَ الدبيبة فرصة انتقاد إجراء البرلمان من داخل المدونة القانونية والسياسية، وهي مدوّنة سمحت لأطراف كثيرة بأن تنتقدَ سحب الثقة من الحكومة في هذا التوقيت الحرج، لكن الدبيبة ارتأى أن يستدرجَ الشارع ضد برلمان منح الثقة لحكومته في مارس الماضي.

على ذلك كان خطاب الدبيبة في ميدان الشهداء بطرابلس، الثلاثاء الماضي، متشنجاً ومؤسساً لمرحلة انقسام جديدة لا يستبعدُ أن يعود فيها فرقاء السياسة للاحتكام إلى لغة السلاح.


كانت مرحلة فايز السراج، رئيس الحكومة السابق، موسومة برهن ليبيا لقوى خارجية، وكان ذلك أحد دوافع تعميق الانقسام بين شرق البلاد وغربها. حاول الدبيبة أن يتجنب أخطاء سلفه وتشاطرَ في مسك عصا العلاقات الخارجية من الوسط، بحيث واصل الالتزامات السياسية والوعود الاقتصادية مع القوى الخارجية كافة.


ولم تكن دعوة البرلمان الليبي حكومة الدبيبة لجلسة مساءلة وليدة الأيام الأخيرة، بل بدأ الحديث عنها منذ شهر يوليو الماضي، ما يبدد مقولة راجت عند الأوساط الإخوانية مفادها أن قوى ليبية تحاول الاستفادة من الرياح الأخيرة التي هبّت على تونس بعد قرارات الرئيس قيس سعيّد.

لم يكترث الدبيبة لدعوات البرلمان وكان يستبعد سحب الثقة من حكومته. والواضح اليوم أنه بصدد تسويق المواقف الإخوانية من البرلمان ومن المشهد السياسي الجديد. ولعل الاطلاع على المواقف الإخوانية في ليبيا يكفي لتبين الخيط الرابط بينها وبين تشنج الدبيبة الأخير.

ركن الدبيبة وعاد إلى سياسة أسلافه من ناحية التشبث بالسلطة أو من ناحية الاتكاء على الحلفاء الخارجيين، أو لناحية استدراجه للشارع بما يعزز المخاوف من إمكانية تحول ذلك إلى الاستعانة بالمليشيات.

تبدو ليبيا مقبلة على أيام سياسية عسيرة، ولعل الاستعاضة عن القاموس السياسي واعتماد لغة التحشيد الشعبي والتلويح بالضغط الشعبي، تمثل مقدمات مخيفة لما يخفيه المستقبل القريب، وفي كل ذلك كان الدبيبة وفياً لولائه ومواصلاً لنهج سلفه رغم ما أبداه في الأشهر الماضية من مرونة!