الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

سوريا.. هجرة ونزيف كفاءات

تعد قضية الهجرة واللجوء، من أبرز الملفات النشطة على الساحة السورية، وقد اتسمت بكثافة الفارين من الحرب عام 2014، ولكنها شهدت تراجعاً ملموساً قبل سنتين، جراء انحسار الأعمال العسكرية في تلك المرحلة، إلا أنها اليوم تعودُ إلى التزايد على الرغم من الكلفة الباهظة، إذ أغلب المهاجرين من حملة الشهادات والكفاءات العلمية من الشباب، ومن التجار والصناعيين، الذين باعوا كل أملاكهم طلباً لحياةٍ أخرى أكثر استقراراً، فوصل الأمر إلى حدّ عجز مطار دمشق الدولي عن تلبية الطلب المتزايد على تذاكر الطيران، وحدّ عجز إدارة الهجرة عن تلبية طلبات جوازات السفر، وذلك بسبب عدة عوامل.

أولاً، العامل الاقتصادي، إذ تشهد سوريا نقصاً حاداً في المواد الأولية والرئيسية كالخبز والمحروقات التي إنْ وُجدت فبأسعار خياليةٍ، عدا عن انتشار البطالة وانعدام فرص العمل التي إنْ وجدت فإنها أقل من أنْ تلبّي أدنى الاحتياجات الأساسية، فمستوى دخل الفرد ذي الشهادة الجامعية في الوظائف لا يتجاوز الـ30 دولاراً شهرياً، في حين أنّ أدنى متطلبات العيش للعائلة المتوسطة في ظل الغلاء وشح المواد الضرورية يتطلب أكثر من 300 دولار شهرياً للعيش كفافاً.

ثانياً، الوضع الأمني والإداري، فانقسام سوريا بين مواقع نفوذٍ ثلاثة جعل أي عملٍ تجاريٍّ يتعرض للابتزاز والرسوم غير الواقعية بين المناطق، ما زاد في الغلاء وانعدام الأرباح بالنسبة للتجار والمستثمرين لصالح المتنفذين على الحواجز، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية الخانقة، عدا عن فرض التجنيد الإجباري غير المحدد، الأمر الذي يجعل الشباب ينهون دراستهم الجامعية واللحاق بأول رحلة خارج البلاد بحثاً عن حياة جديدة، سواء في مناطق الحكومة السورية أو مناطق نفوذ «قسد»، أو في الشمال الواقع تحت سيطرة الفصائل المدعومة خارجياً.


إنّ الهجرة تأتي لأسباب اقتصادية لكثرة المليشيات التي ألحقت الضرر بالمستثمرين وأسهمت بغلاء المعيشة، وأمنية تتمثل بغياب المؤسسات الإدارية الفاعلة لصالح جماعات عسكرية متنفذة بمصالح متضاربة.


كل ذلك يجعل سوريا اليوم أمام مرحلة خطيرةٍ تتمثل بخلوها من الكفاءات ورؤوس الأموال، ما يجعلها تتقهقر لعقودٍ من الزمن، الأمر الذي يتطلب برامج وحوارات سورية - سورية للحيلولة دون ذلك، كما يتطلب إجراءات إدارية داخلية من جميع الأطراف على الأرض حفاظاً على ثروة الكفاءات من الشباب واستثمار قدراتهم في بناء البلاد بعيداً عن أي أطر سياسية أو حزبية.