الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

تونس.. رئيسة الحكومة ورهانات المرحلة

تكليف الرئيس التونسي قيس سعيّد لامرأة لتشكيل الحكومة مثّل حدثاً كثيف الرسائل الموجهة إلى الداخل والخارج. الرسائل لم تقتصر على كون المكلفة بتشكيل الحكومة امرأة، بل تمتدّ أيضاً لتنسحب على كون نجلاء بودن تم اختيارها من خارج الدائرة السياسية المعروفة، ومن خارج التوقعات التي راجت مؤخراً.

الإعلان عن هوية المكلفة بتشكيل الحكومة الأربعاء الماضي، كان مفاجأة للتونسيين من خصوم سعيّد ومن أنصاره، إذ إن المكلفة بتشكيل الحكومة التونسية لم تكن من الأسماء التي راجت مؤخراً.

بودن كانت رسالة سياسية أكثر من كونها مكلفة بتشكيل الحكومة. أضمر سعيد بانتقائه لبودن أن يعلن أن لحظة 25 يوليو كانت إعلان نهاية مرحلة سياسية أرّقت التونسيين وعطلت حياتهم العادية.


التقطَ سعيد الإجماع التونسي على أن المرحلة الراهنة تطلب وجهاً جديداً من خارج منظومة الأحزاب القديمة، وتتطلبُ شخصية توفق بين القدرات الإدارية والرؤية الاقتصادية، وتقتضي شخصية تنخرطُ بقوة في الحرب على الفساد، ولعل الرمزية الأهم تكمنُ في أن اختيار امرأة لتترأس الحكومة للمرة الأولى في تاريخ البلاد يمثل استفزازاً للمخيلة السياسية للإسلاميين أولاً، وطمأنة للمجتمع المدني التونسي الذي عبر عن تخوف من تهديد المكاسب الحداثية والنسوية للبلاد ثانياً.


وفي تكليف بودن رسالة إلى الخارج مفادها أن تونس اختارت امرأة من جيل التكنوقراط الذين عملوا في الإدارة التونسية دون انتماء سياسي لتقود الحكومة الجديدة. اضطلَعَتْ بخطّة مكلفة بتنفيذ برامج البنك الدولي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وهي خطة تتيح لها بأن تلعب همزة الوصل بين تونس والصناديق المالية الدولية، وتسمحُ لها بأن توظف خبراتها الإدارية في تلمس بداية الطريق نحو الخروج من الأزمة الراهنة.

تأخَّرَ قيس سعيّد في الإفصاح عن خطته للمرحلة المقبلة وعن تعيين رئيس حكومة يقود حرب البلاد على الجبهات الاقتصادية والاجتماعية والصحية، لكن الواضح أن التأخر كان عائداً إلى حجم الضغوط الداخلية والخارجية المسلطة عليه. تأخر أتاح لخصومه استرداد الأنفاس والتنظيم داخل جبهات معارضة غير متجانسة.

رهان سعيد على بودن سيكون موضع اختبار دائم، باعتبار أن كل الرسائل التي أخفاها في اسم المكلفة، ستتحول إلى عقبات قد يضعها خصومه أمام رئيسة الحكومة، خاصة أنها لن تكون محمية بحزب أو بكتلة برلمانية، وما يمكن أن ييسر مهمتها هو رؤية واضحة للأهداف وللمراحل وللآجال، وتحديد آليات الانتقال من التدابير الاستثنائية إلى المؤسسات السياسية الراسخة.