الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

التجديد بين الخطابين الديني والثقافي

المقصود بالخطاب الديني أو الثقافي، هو الأفكار والقيم التي يتوجه بها علماء الدين والدعاة والمثقفون إلى الجمهور العام، أي إنه وسيلة التواصل بين العالم والمتعلم، بين الداعية وجمهور المتدينين، بين المثقف والشعب، بين الكاتب والقارئ، بين المتحدث والمستمع. فإذا فهمنا هذا المعنى، يكون التجديد في الخطاب الديني والثقافي- في حقيقته- عملية مستمرة لا تتوقف أبداً، لأن توصيل الفكرة أو المعلومة أو القيمة أو الرأي، يستلزم أن يكون الطرف المرسل له ملماً بعقلية المستقبل وباحتياجاته، وبما يريد أن يعرف، وباللغة التي يفهمها ويتفاعل معها.

إذن تجديد الخطاب هو أن نخاطب الناس على قدر فهمهم وعقولهم واهتماماتهم واحتياجاتهم، لا أن نلقي عليهم همومنا وأفكارنا وأمراضنا، فتجديد الخطاب الديني أو الثقافي يعني أن نعالج مشاكل الناس الذين نعيش معهم، وأن نتناول هموم المجتمع بما يحقق مصالح المجتمع، لا أن نأتي بأفكار ميتة من التاريخ ونلقيها للمجتمع والناس ونطلب منهم أن يهجروا زمانهم ويعيشوا في زمن مضى وانقضى من مئات السنين؛ حتى يكونوا مسلمين مؤمنين أتقياء، ولا أن نأتي بأفكار قاتلة ومميتة من مجتمعات تختلف عن مجتمعنا اختلافات كبيرة ونطلب من المجتمع والناس أن يتبنوا هذه الأفكار حتى يكونوا حداثيين ومعاصرين وعلى الموضة.

التجديد يعني أن يكون الفكر والثقافة نابعين من الواقع، مناسبين له، مصلحَين أحواله، محققيَن سعادة الإنسان ومصالحه، واستقرار المجتمع وتقدمه.


أما بالنسبة لرؤية التيارات الأخرى التي توظف مفاهيم ودعوات التجديد لمصالحها الأيديولوجية أو الحزبية الضيقة، فيعني التخلص من خطاب مرفوض لفرض خطاب آخر مقبول ومحبب، بغض النظر عن المجتمع والناس، فالتجديد للإسلاميين الحزبيين يعني التخلص من خصومهم الأيديولوجيين من المتصوفة، أو العقلانيين أو العلمانيين، والتجديد بالنسبة للتيارات اليسارية والعلمانية والحداثية يعني التخلص من الدين بكل مكوناته وتجلياته، وتقليد التجربة الأوروبية، والسير على طريقها في كل شيء، في الفصل بين الدين والحياة، وتحرير الإنسان من الدين والقيم والعادات التي هي في نظرهم آليات بالية، أي التجديد عند هؤلاء هو إلغاء منظومة ثقافية كاملة لتحل محلها منظومة أخرى، وهذا ليس تجديداً، بل نوع من الهدم، من أجل بناء شيء مختلف.


هناك علاقة عضوية بين تجديد الخطاب الثقافي وتجديد الخطاب الديني، فتجديد الخطاب الديني مقدمة ضرورية لتجديد الخطاب الثقافي، وتجديد الخطاب الثقافي مقدمة لتجديد الخطاب الديني، لذلك لا بد من تجديد الاثنين معاً، وبصورة مستمرة لا تتوقف.