الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

التبليغ.. والرسائل المجهولة

أعادت فرانسيس هاوغن، مسؤولة سابقة بشركة فيسبوك، إلى واجهة النقاش أهمية هذه الفئة في محاربة الفساد، المستشري داخل الحكومات والمؤسسات وبين الأفراد والجماعات.

فرانسيس هاوغن هي التي بلغت عن «الفساد» الموجود في مؤسسة فيسبوك، بتسريبها وثائق لصحف أمريكية حول «تفضيل فيسبوك الربح على سلامة وأمن المستخدمين خاصة المراهقين الذين يتأثرون بنمط الحياة الذي يسوقه فيسبوك ويؤدي إلى الاكتئاب» وغيرها مما تم تسريبه، وقد تم سماعها من طرف لجنة في مجلس الشيوخ الأمريكي يوم 5 أكتوبر 2021. ومن المحتمل أن تؤدي شهادتها إلى قوانين جديدة لحماية «مستهلكي التكنولوجيا».

والمبلغون عن الخطر، هم أشخاص نذروا أنفسهم لخدمة الدولة والمجتمع وحمايتهما من خطر محتمل يتربص بهما، وبذلك وجبت حمايتهم كما تتم حماية «الشهود»، وقد يكونون صحفيين، موظفين إداريين، مسؤولين سياسيين، أو غيرهم.

وبفضل هؤلاء تمكن الناس من معرفة الفساد المستشري في الحكومات وفي أوساط رجال الأعمال والمؤسسات المالية وغيرها، مثلما حدث مع «الجنات الضريبية» وهي مناطق يتهرب إليها الكثير من المسؤولين للتخلص من دفع الضرائب، وهم مكتشفو «باناما بايبروز» ومؤخراً «فضيحة بيغاسوس» و«وثائق باندورا» وغيرهما.

وهؤلاء هم الذين كشفوا فساداً مستشرياً في الحكومات، والثروات الطائلة التي يمتلكها المسؤولون في حسابات خارج بلدانهم، وثروات أبنائهم وزوجاتهم وأقاربهم، بطرق غير شرعية وغير قانونية. ولأهميتهم في حماية الاقتصاد والمؤسسات تنفق عليهم بعض البلدان ما معدله 5 مليارات دولار سنوياً.

ومن مثل المبلغين عن الخطر، تأتي الرسائل المجهولة، وقد كثر الحديث عنها مؤخراً في الجزائر، وقد تكون هذه الرسائل ذات مصداقية وقد تكون مجرد مكيدة لمسؤول أو رجل أعمال.

وخلال شهر سبتمبر الماضي تم التأكيد الرسمي في الجزائر على عدم الأخذ بها، ودعا رئيس الجمهورية المعنيين أن يقدموا الملفات بأسمائهم أمام العدالة أو الجهات المختصة.. فتولدت المخاوف من أن يؤدي هذا إلى تراجع «التبليغ عن الخطر» لأن المبلغ عنهم عادة ما يكونون نافذين في أجهزة الدولة والعدالة.

لذلك يرى «المبلغون عن الخطر» أن الرسائل المجهولة هي شكل من أشكال الحماية، ويقترحون أن يتم فعلاً التحري في مضمونها في سرية من قبل الأجهزة المختصة، فإذا تم التأكد منها تحال على العدالة، وإذا حدث العكس تحفظ وكفى. بمعنى آخر، ليست كل رسالة مجهولة تؤدي بالضرورة إلى اتهام فلان أو علان، بل القضاء بعد التحري فيها، هو الذي يقرر.

وحتى في الدين الإسلامي، يتعين على من رأى المنكر أن يغيره، بلسانه أو بيده، أو بقلبه، والتغيير بالقلب هو أضعف الإيمان، حيث ينزوي الشاهد على الفساد في موقع «المتفرج المتألم» ويكرر عبارة «حسبنا الله ونعم الوكيل».. في حين يكون الفساد والفاسدون والمفسدون وحدهم المستفيدين.