الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

ماكرون ومذبحة باريس.. لمن تدق الأجراس؟

ما بين المطالبة بضرورة اعتراف فرنسا رسمياً بجرائم الحرب التي اقترفتها خلال احتلالها للجزائر، ودعوات البناء على إقرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمذبحة باريس، غلفت سماء التطورات الراهنة حالة من الضبابية. جرأة ماكرون بإلقائه حجراً في مياه الحقبة الدموية بين البلدين، فرصة مواتية للوقوف على الأسباب الحقيقية للتوترات شبه المستمرة للعلاقات الجزائرية– الفرنسية.

قبل التطرق إلى رسائل الإقرار غير المسبوق من الرئيس الفرنسي، انحاز إلى الحق العربي في ضرورة سلك كافة السبل، من أجل تحميل فرنسا تبعات جرائمها ضد الشعب الجزائري. لحين تحقيق ذلك، هل المطلوب الاكتفاء بإذكاء حالة الجدل المثارة في الوقت الراهن؟

السياسة فن الممكن. من النادر بلوغ أهدافك جملة واحدة. هناك قاعدة ذهبية غائبة عن ثقافتنا العربية «ما لا يُدرك كله لا يُترك كله». تاريخ أمتنا العربية حافل بالكثير من «الفرص الضائعة». دعونا ولو مرة نجرب استثمار الفرصة المتاحة، للوصول إلى ما نريد أن يكون، بدلاً من البكاء على اللبن المسكوب.

رسالة ماكرون تدق أجراساً كثيرة، تحتاج إلى عقول تنصت إليها لترجمتها إلى مكتسبات على أرض الواقع. أولاً، تلك الرسائل تتعلق بالرغبة الفرنسية في تجفيف منابع التوتر الراهن مع الجزائر. البلدان يرتبطان باتفاقيات أمنية واقتصادية راسخة، ودور مشترك في مجمل الملفات الإقليمية.

ثانياً، ماكرون يدفع بقوة من أجل التئام علاقة البلدين سريعاً لكسب أصوات الناخبين الفرنسيين من أصول جزائرية، خاصة وأنهم كانوا مربط الرهان في انتخابات 2017 أمام مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان.

ثالثاً، تعضيد العلاقات الثنائية بين البلدين في المستقبل المنظور، سيما مع تعاظم الدور الروسي في وسط أفريقيا، خوفاً من أن يأتي وقت قريب وتتجه البوصلة الجزائرية إلى موسكو.

المراد بلوغه من وراء الإقرار الفرنسي، تفاعل النخب السياسية الجزائرية مع هذه الرسائل، وتغليب السياسة على العاطفة. لا أقصد المقايضة على دماء الشهداء. لا يجرؤ أحد على المطالبة بذلك، فما ارتكب بحق المتظاهرين الجزائريين العزل جريمة دولة مكتملة الأركان، ومثل هذه الجرائم لا يمكن أن تسقط بالتقادم.

هذه المسلمات لا تمنعنا من القول إن هناك خطوة فرنسية في الاتجاه الصحيح. لا بد أن يتبعها خطوة جزائرية في نفس الاتجاه أيضاً. اليوم إقرار فرنسي، وربما غداً نشهد الاعتراف بـ«جريمة دولة».