السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

اقتصاد المعرفة.. والمجتمعات العربية

توجّه الاقتصاد العربي مع نهاية التسعينات من القرن الـ20 إلى النّمط الليبيرالي المفتوح وإعادة هيكلة المنظومات الاقتصادية الخصوصية والعمومية مع منحها استقلالية التسيير والمبادرة.

حدث هذا التوجّه للانسجام مع المناخ الدّولي الذّي احتوته العولمة وانتقال الاقتصاد إلى برادايم جديد، يعتمد على اقتصاد المعرفة والمعلومات في سياق ما بات يعرف بالاقتصاد اللامادي.

لم يتمكّن الاقتصاد العربي من أن يكون فعلا من جنس اقتصاد المعرفة، إذ ما فتئ يراوح مكانه التقليدي، وظلت فكرة المعرفة لديه مجرد اهتمام نظري وإعلامي أو محاولات محتشمة هنا وهناك لم تتحوّل إلى منتوج اقتصادي مهيكل، بدليل أن المعرفة في البلاد العربية لا تشكّل مركزا في خلق القيمة المضافة وإنتاج الثروة، ولم تُوفّر لها بيئة معرفية يتمّ عبرها إنتاج التكنولوجيا، ووضع أسس عقلانية لتعليم نوعي توازيه حاضنة لعمليات الإبداع والابتكار ذات أسس صلبة للاندماج في اقتصاد المعرفة، خاصة أنّ المنجز المعرفي مسار تراكمي يستند في موارده على التّكوين والتجديد لصياغة الحلول المبتكرة.


وإذا كانت التنافسية، تلك القدرة على توفير البنية الملائمة لتحقيق معدّلات نمو مرتفعة ومستدامة، فإن البلاد العربية تعاني ضعفا عميقا في قدرتها التنافسية، وهذا ما تؤكّده مؤشرات منسوب طاقتها الابتكارية ومستوى توطينها للتكنولوجيا واستثمارها في الرّأسمال البشري وتنمية الموارد البشرية، فضلا عن نواقص بنيتها التّحتية في تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.


لا بد من التّنبيه إلى أنّ الفساد الإداري والتّبعية الاقتصادية لهما آثار سلبية على التّنافسية وروح المبادرة والإبداع، وهذا ما نتج عنه سلبيا وتمركزالإقتصاد في جهة دون غيرها، ممّا أدّى إلى عدم ثقة أجهزة الوساطة التمويلية وتحفظها على الاستثمار في المشروعات التكنولوجية وتأسيس البنيات التطويرية لاقتصاد المعرفة.

ولذلك، لم يتمكّن اقتصاد المعرفة في البلاد العربية من امتلاك نسق ابتكاري تفاعلي ينظّم مختلف الفاعلين لإنتاج أنشطة إنتاجية معرفية تعاونية تسودها الثّقة والرّغبة المواطنة في الابتكار.

إذن، من الصّعوبة بمكان بناء أسس قوية لاقتصاد المعرفة في البلاد العربية دون إرادة سياسية متبصّرة وهَبَّة مجتمعية واعية يرافقها مناخ سليم ومشجّع للأعمال، بمعنى تأسيس خلفية تعاقدية من شأنها بلورة رؤية شاملة تجعل من اقتصاد المعرفة ثقافة الدولة والمجتمع معا.

إنّ المدخل الأساس لبلوغ البلاد العربية نادي الدّول الصّاعدة هو بناء اقتصادات حقيقية للمعرفة تعتمد على حرية التفكير المبدع وتحرير الطاقات، إذ تساهم وفق دراسات الأمم المتحدة بما يقلّ عن 7% من الناتج المحلي العالمي، وعن 10% من النمو سنويا.