الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

قيس سعيد.. حسناته وسيئات الآخرين

منذ يوم 25 يوليو الماضي، ركّزَ الرئيس التونسي قيس سعيد خطابه السياسي، الموجه إلى الداخل كما للخارج، على نقد المرحلة السابقة التي وفّرت كل مقومات انتقادها. وينفقُ قيس سعيد اليوم من سلبيات المرحلة السابقة، وبإمكانه أن يواصل ذلك الإنفاق باعتبار الخراب العميم الذي تركته مرحلة حكم النهضة، لكن ذلك لا يمكنه أن يتواصل، إذ على الرئيس أن يُنفقَ مستقبلاً من حسناته - مقابل اعتماده الراهن على سيئات الآخرين - وحسناته في القاموس السياسي تعني منجزه أو ما سيفعله من إصلاح وإنجاز وترميم.

في السنوات الأولى لثورة تونس عام 2011، انزوت الطبقة السياسية بكل مكوناتها في زاوية انتقاد مرحلة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، واطمأن الناس إلى تلك اللازمة السياسية وارتاحت الأحزاب إلى الإنفاق من سيئات بن علي، لأنه كان غطاء على فقرها من البرامج ومن حلول مآزق الاقتصاد، ولكن بعد سنوات من فقر الإنجاز، لم يعد لذلك الإنفاق من قيمة في سوق التعاملات السياسية.

والمفارقة اليوم أن سعيّد لن تسعفه الأوضاع الاقتصادية والضغوط الداخلية والخارجية بوقت يماثل ما توفر للإخوان الذين قفزوا إلى الحكم بعد الثورة. إذن، فهنا على الرئيس أن يُدركَ أن اللحظة الراهنة لم تعد لحظة وعود، بل تحوّلت إلى مرحلة إنجاز.


وقد امتطى قيس سعيد صهوة «الضرورة» حين أيقن أن يأس التونسيين بلغ مداه. وكان ذلك اليأس مترتباً من أزمة طالت كل مناحي الحياة، وهنا سيصبح مدعواً إلى ترجمة ذلك الأمل الذي فتح كوّته يوم 25 يوليو إلى منجزات وأفعال، فالمشكلة أن الرئيس يقف في مواجهة أزمة متداخلة الأبعاد، وفي مواجهة خصوم أغلبهم من جرحى لحظة 25 يوليو، وفي مواجهة ضغوط خارجية تقرأ الحدث التونسي بمسطرة لا تراعي خصوصية الأبعاد التونسية، والحليف القوي الوحيد لقيس سعيّد الآن، هو بصيص الأمل الذي ما زال يمثله عند فئات واسعة من التونسيين.


ولذلك فإن نقد سلبيات المرحلة السابقة سينتهي مفعوله قريباً، وسيسأل الناس سعيّد عن منجزه وأرقامه، ويمكنه أن يلتقط توجهه من القاسم المشترك بين ما يقوله الداخل وما يصدح به الخارج: حوار وطني مع من يشترك معه في النظر إلى المستقبل، وآجال محددة للعملية السياسية القادمة، فعندها يمكنه أن يُطمئن الداخل ليتفرغ إلى الجبهات الاقتصادية والاجتماعية، ويطمئن الخارج بأنه لا ينتمي إلى زمن الانقلابات التي تَجُبُّ ما قبلها.