الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

كلٌّ ضد الكل!

مع بداية الألفية الجديدة، أطلق السياسي الأمريكي، صاحب نظرية القوة الناعمة، جوزيف ناي تصريحاً مثيراً للجدل.. «السياسة العالمية في القرن الـ21 تشبه خشبة مسرح لم تعد الدولة فيه الممثل الوحيد، إذ بدأ يزاحمها ممثلون آخرون- كفاعلين- من غير الدول».

مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي عرّف الفاعلين من غير الدول، بأنها كيانات غير سيادية تمارس سلطة ونفوذاً اقتصادياً على المستوى الوطني أو الدولي.

المراقب للشأن السياسي في منطقتنا العربية، خلال السنوات العشر الأخيرة، يلحظ تآكل دور الدولة الوطنية مع بعض الاستثناءات، في مقابل تنامي دور جماعات، أو حركات ذات تأثير داخلي أو خارجي، وفي اعتقادي هنا أن الفجوة هذه آخذة في الاتساع في السنوات المقبلة.

الدورية الأشهر في حقل العلاقات الدولية «فورين أفيرز» ذكرت في مقال معنون: «الكل ضد الكل»، أن شعار الإدارة الأمريكية للشرق الأوسط بسيط: «إنهاء الحروب الأبدية». البيت الأبيض منشغل بإدارة التحدي الذي تشكله الصين، ويهدف إلى فصل الولايات المتحدة عن صراعات المنطقة التي تبدو أنها لا نهاية لها، لكن فك ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة يهدد بترك فراغ سياسي قد تملؤه الخصومات الطائفية، ما يمهد الطريق لمنطقة أكثر عنفاً، أو في أفضل حالاتها غير مستقرة.

وواصلت الدورية: «النهاية الدراماتيكية للحرب الأمريكية في أفغانستان، برهنت- بشكل كبير- على تعقّد الأمور في الشرق الأوسط، وأن الأمريكيين قد يحاولون مواساة أنفسهم بأنهم أخيراً يمكنهم إدارة ظهورهم لهذه المنطقة المضطربة».

ما ذكرته «فورين أفيرز» لا يمكن قراءته بمعزل عن التصريحات التي أطلقها وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في مؤتمر المنامة الأخير، التي أكد خلالها حاجة المنطقة إلى تحالفات جديدة قادرة على مواجهة تحديات هذا القرن، وأن واشنطن قوة عالمية لديها شبكة من العلاقات الدولية ومصالح في كافة أرجاء العالم، وهي ملتزمة بحمايتها، لكنه استدرك بقوله إنهم لا يستطيعون فعل ذلك من دون مساعدة الحلفاء والشركاء.

المنطقة برمتها على موعد مع تغيير جذري في الاستراتيجية الأمريكية. واشنطن في طريقها إلى خفض أكبر في قواتها، في المقابل تُعد نفسها للدخول في صراع طويل الأجل للحد من النفوذ الصيني في مناطق مختلفة، خاصة شرق آسيا، وجنوب القارة السمراء.

بيت القصيد.. هل أعدّت الدول العربية نفسها جيداً لتحالفات ما بعد الخروج الأمريكي من المنطقة ومن العراق كحالة راهنة؟ أم أنها تنتظر حتى يصبح ما كان متوقعاً واقعاً ثم تبدأ في التفكير؟ وهل التحركات الدبلوماسية النشطة لعدد من الدبلوماسيين العرب في المنطقة تستهدف ملء الفراغ الذي يلوح في الأفق، وهل تستطيع ذلك؟