السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

«رسائل خليجية».. بعيون عربية

على الرغم مما حققه الخليج العربي من استقرار وازدهار وتطور تنموي ومعرفي وعمراني، ظلت انطباعات الجمهور العربي إلى هذا الجزء الاستراتيجي من الوطن العربي قاصرة ومشوهة في العموم، ولا تعطي الإنجاز الخليجي حقه وقدره.

من هنا، تأتي أهمية كتاب «الرسائل الخليجية» الذي صدر في 2021، وشارك في تحرير فصوله 22 كاتباً عربياً من دول عربية مختلفة ومن تخصصات معرفية متباينة.

تناول هؤلاء الكُتّاب في الجزء الأول من الكتاب 14 مدينة عربية من بينها أربع مدن إماراتية، أبوظبي– دبي- الشارقة- العين، وثلاث مدن سعودية، مكة المكرمة- المدينة المنورة- جدة، ومدينتان عمانيتان، مسقط ونزوى، وفصلان عن مدينة المنامة في البحرين، وفصل عن الكويت، وآخر عن الدوحة.

جاءت فصول كتاب الرسائل الخليجية متفاوتة أشد التفاوت في تناولها لمدن الخليج. بعض الفصول كانت مجرد سيرة ذاتية انطباعية، وفصول أخرى أشبه بجولة سياحية سريعة تركز على المظهر دون الجوهر، وفصول أخيرة مليئة بمعلومات قديمة وغير دقيقة.

مدن الخليج تعيش عصرها الذهبي، وأصبحت مراكز مالية وسياحية ولوجستية ومعرفية وثقافية وحضرية تعج بالحياة والحيوية، وتنافس الحواضر العربية القديمة. ما ورد في الرسائل الخليجية لا يعطي مدن الخليج حقها ولا يقدم إضافات مهمة ولا يضيف إضاءات قيمة عن مدن خليجية أدهشت العالم بما حققت في أقل من ربع قرن، بحيث أصبحت تنافس في تطورها أكثر المدن والعواصم تطوراً.

بعض فصول الكتاب كانت مجرد سيرة ذاتية انطباعية، وفصول أخرى أشبه بجولة سياحية سريعة تركز على المظهر دون الجوهر

فصل الدوحة عاصمة قطر مجرد تقرير صحفي انطباعي شديد التواضع، وفصل الشارقة يحتوي على معلومات مشكوك في صحتها، وفصل المدينة المنورة لا يقول ما يشبع نهم القارئ ولا يعطي هذه المدينة حقها، وفي فصل نزوى يتحدث الكاتب عن بيروت أكثر ما يتحدث عن نزوى، ولا يقدم فصل المنامة معلومة واحدة مفيدة، سوى أن اسم المنامة مشتق من عبارة النوم أو مكان للمنام!

وجاء فصل مكة المكرمة في جله ليثبت أن مكة المكرمة كانت مدينة ذات حضارة راقية قبل الإسلام، وكذلك الحال بالنسبة لفصل أبوظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة، الذي لا يختلف عن نص تعريفي في كتاب سنوي حكومي، ولا استثناء بالنسبة لفصل مدينة العين، التي يصفها الكاتب بالجنة على الأرض. قد تكون العين جنة لكن حتما جبل حفيت ليس بأكبر جبل في الإمارات كما جاء في الفصل.

كذلك لا يمكن لمن يعرف الكويت جيداً أن يدّعي أنه على جدار الكويت تحطمت آفة الطائفية، وأن أهل الكويت لقنوا الشعوب درساً في نبذ الطائفية والقبيلة. أما النصوص عن «ظفار» و«نجد» فهي من الزائد الذي يقع في بند ما زاد عن حده انقلب ضده في كتاب تجاوز عدد صفحاته 400 صفحة.

ولا يختلف الأمر بالنسبة للجزء الثاني من كتاب الرسائل الخليجية الذي خُصص لتناول قضايا خليجية، التي اتصفت بالضحالة وعدم الاتساق وتناول قضايا ليست بالقضايا الخليجية الملحة وبمنهجية وصفية وبالحد الأدنى من التناسق بين فصول الكتاب.

مثلاً، فصل النفط يعيد طرح السؤال الذي لا طائل منه: هل النفط نعمة أم نقمة؟ لقد تم تجاوز هذا السؤال الممل منذ زمن بعيد. لكن أكثر ما يعيب هذا الفصل أن مراجعه وبياناته قديمة وتعود إلى سبيعنيات وثمانيات القرن الماضي. كم هو معيب أن ينشر مقال عن النفط في كتاب صادر سنة 2021 ومعظم بياناته تعود لـ40 سنة إلى الوراء.

يعيب الكتاب أحياناً الاستعلاء العربي المتأصل لدى المثقف العربي كما الجمهور العربي في تعاملهما مع الخليج العربي.

أما الفصل الذي يتناول علم الاجتماع الخليجي فعلى أهميته، إلا أنه يستكثر على أصغر دولة خليجية أن تحدد مصير أكبر دولة عربية. يظهر هذا الاستكثار أن الكاتب لا يدرك أن هذه لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر، وأن قيادة الأمة خليجية حتى إشعار آخر، وأن الجزء الخليجي يؤثر في الكل العربي بأكثر من تأثير الكل العربي في الجزء. من المفارقات أن يدرج كتاب الرسائل الخليجية فصلاً كاملاً تحت عنوان «التخاشم ينجو من هيمنة الحداثة الغربية»، فهل التخاشم الذي يعني المصافحة بالأنف قضية خليجية مصيرية تستحق أن يخصص فصل لها. هذا الفصل كحال فصول عديدة جاء محشوراً حشراً في كتاب الرسائل الخليجية.

كتاب سامي كليب وفيصل جلول - الرسائل الخليجية - لا يروي قصة الخليج، ولا يقدمه كما يستحق أن يقدم، ورغم ادعاء العلمية، فإن الكتاب لا يتعامل مع مدن وقضايا الخليج «بنهج علمي»، ويعيبه أحياناً الاستعلاء العربي المتأصل لدى المثقف العربي كما الجمهور العربي في تعاملهما مع الخليج العربي. كلاهما أسير التعامل مع خليج القرن الواحد والعشرين بمنظار القرن العشرين.

لن يتمكن كتاب الرسائل الخليجية من إزالة عقود من الاستعلاء والازدراء العربي تجاه هذا الجزء من الوطن العربي الذي يحمل راية استكمال المشروع النهضوي العربي، ولن يتمكن الكتاب من تصحيح الصورة النمطية المشوهة السائدة لدى الشارع العربي الذي دأب على النظر إلى الخليج بأنه لا شيء غير النفط. لقد حاول كتاب الرسائل الخليجية تصحيح هذه الصورة المسطحة عن الخليج العربي لكنه أخفق.

حاول كتاب الرسائل الخليجية تصحيح الصورة المسطحة عن الخليج العربي لكنه أخفق.

يبقى أن أكبر عيوب كتاب الرسائل الخليجية ما أشار إليه الدكتور محمد الرميحي في مقاله النقدي حيث قال من «منظور نقدي مهني ولجت التكليفات للكتاب من دهليز ضيق، فبعض الكتاب الذين كتبوا عن مدن الخليج لم يزوروا المناطق التي كُتب عنها، حتى زيارة عابرة، كما أن كل 22 كاتباً ليس من بينهم كاتب واحد من دول مجلس التعاون. الافتراض أن المشرفيْن على الكتاب لم يدُر في خلدهم أن هناك أقلاماً محلية وازنة كتبت عن بيئتها ومدنها، هذا العيب المنهجي يسمى الاستشراق العربي، فبعضنا لا يعترف بأن هناك نهضة إنسانية كبيرة جرت في نصف القرن الماضي في منطقة الخليج العربي، وليس فقط نهضة بناء مدن وطرق وعمارات كما ذهب إليه الكتاب، بل نهضة بشر، تم تجاهلها تماماً».