السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

اللقاحات.. الدين والدولة وحقوق الإنسان

أضحينا اليوم على أعتاب الخلاص من وباء كوفيد-19 المميت، الذي تحور ليصل لمرحلة لم يعد فيها سوى مجرد إنفلونزا شديدة الانتشار، لدرجة أن تخلت دول كبرى كبريطانيا عن جميع الاحترازات المتبعة منذ ظهور الفيروس، والتي كانت تتجدد عند ظهور كل متحور له، وفي المقابل لا تزال جدلية اللقاحات وإلزاميتها قائمة.

هذا جدل قديم لازم اللقاحات منذ اختراع لقاح الجدري أول لقاح عرفته البشرية، وكان أول اعتراض عليه حينها 1772 لدوافع دينية، حين برر القس الإنجليزي إدموند ماسي اعتراضه: "أن الأمراض ترسل من قبل الله لمعاقبة الخطيئة، وأن محاولة منع الجدري باللقاح عملية شيطانية".

لا تزال الاعتراضات الدينية على اللقاحات في الغرب مستمرة، فبعض الأطراف الدينية كان لديها تحفظ إزاء أصل الخلية الجنينية من لقاح الحصبة الألمانية في وقت سابق، ولحل هذه المعضلة خلص إلى أنه حتى يصبح البديل متاحاً، من المقبول للكاثوليك استخدام اللقاح الحالي. لذلك تجد أن بعض الحكومات الغربية تسمح للوالدين بإلغاء «التطعيمات الإلزامية»، أي لقاحات الحصبة وشلل الأطفال والسعال الديكي، لأسباب مختلفة منها الأسباب الدينية، لدرجة أن بعض الآباء يزعمون كذباً بمعتقداتهم الدينية حتى يُعفون من التطعيم، ويطبق هذا الإعفاء في جميع ولايات الولايات المتحدة، باستثناء ثلاث، هي مسيسيبي وكاليفورنيا وفرجينيا الغربية، وكأن الحكومات هنا تخلي مسؤوليتها عن وفاة أو شلل الأطفال، وتجعلها مسؤولية ذويهم.

الناس قد تركض نحو التلقيح لو خافت على أرواحها، وهنا يتضح أن حفظ الروح يتخطى الحريات وحقوق الإنسان!

المؤسسات الدينية الغربية ليست الوحيدة المناهضة للقاحات بشكل عام، بل تأسست جمعيات مناهضة لها، مثل جمعية مكافحة التطعيم في أمريكا التي أسست عام 1879، ورابطة نيو إنغلاند لمكافحة التطعيم الإلزامي التي تشكلت في عام 1882، وعصبة مكافحة التطعيم بمدينة نيويورك في عام 1885، بل وعقدت مؤتمرات تناهض التطعيم، كالذي عقد بفيلادلفيا في أكتوبر 1908.

المهم هنا أن بعض العلماء انجرفوا إلى هذا المنحى، كالطبيب البريطاني أندرو ويكفيلد Andrew Wakefield‏، الذي نشر بحثاً مزوراً عام 1998، ربط فيه بين لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية واضطرابات التوحد، مما حدا بالسلطات البريطانية بمحاكمته ووقفه عن العمل.

الناس قد تركض نحو التلقيح لو خافت على أرواحها، كما حصل في السويد حين انتشر وباء الجدري الكبير عام 1873، اتجهت الدولة نحو التقليل من لقاح الجدري لأسباب دينية وحقوقية، وبسبب انتشار التظاهرات والاعتراضات في معظم دول الغرب، لكن الناس ذهبت للتطعيم طواعية خوفاً على أرواحها، وبالتالي انتهى الوباء في السويد والعالم، وهنا يتضح أن حفظ الروح يتخطى الحريات وحقوق الإنسان!