الاحد - 23 مارس 2025
الاحد - 23 مارس 2025

«الغاز الجزائري».. الحليف ومكاسب الحرب

في ظل سيطرة الجزائر على ما نسبته 11% من حاجيات أوروبا من الغاز، يعول عليها لتجاوز أزمة تلوح في الأفق، ما لم تضع الحرب أوزراها في أوكرانيا في القريب، أو زادت الدول الغربية من عقوبتها ضد روسيا، وهناك من المؤشرات الدولية ما يظهر ذلك، منها: أنها -الوكالة الدولية للطاقة- وضعت الجزائر من بين الدول التي يمكنها الإسهام في تجاوز أي أزمة على وشك الوقوع في أسواق الطاقة.

ويتّسق موقف الوكالة الدولية للطاقة مع التَّعويل الأوروبي ـ الأمريكي على رفع صادرات الجزائر من الغاز للحدّ من التبعية للغاز الروسي، ولهذا المسعى ما يُبرِّره من الناحية العملية، من ذلك على سبيل المثال: الموقع الجغرافي المتمثل في قرب الجزائر من أوروبا، وتوفرها على بنية تحتيّة جاهزة للتصدير، ممثلة في الأنابيب التي تربطها سواء بإيطاليا عبر تونس، أو الأنبوب الذي يربط الجزائر بإسبانيا مباشرة، أو حتى الأنبوب المغاربي ـ الأوروبي المتوقف حالياً، والمتوقع عودة تشغيله إذا حدث أي تقارب بين الجزائر والمغرب بضغط دولي.

تبدو حسابات الجزائر في ظل حرب المنافع والمكاسب الراهنة للحرب الدائرة ضمن رؤية هي أقرب إلى الواقعية السياسية

غير أن ذاك المسعى الغربي سواء أكان مطلباً أو تحولاً مع طول أمد الحرب إلى ضغط، أو حتى تم التفكير في إيجاد بدائل دائمة لأوروبا عن الغاز الروسي، وعلى الرغم ما سيحققه من مكاسب مادية للجزائر، إلا أنه قد لا يتفق مع رؤيتها وحساباتها في العلاقات الدولية، وخاصة علاقتها الاستراتيجيّة مع روسيا.

لا شك أن هناك حاجة ماسَّة لدى الجزائر للاستفادة من الصعود الجنوني لأسعار الغاز والنفط، لكنها من الناحية المبدئيّة أولاً، وفي علاقتها الاستراتيجية على المدى البعيد وقدرتها على التحكم في مصادر ثروتها وتحديدا الغاز والنفط ثانياً، لن تُسْهم في المشروع الغربي لإفشال روسيا في مجال تصدير الغاز، مع التزامها بتزويد شركائها بما يحتاجونه عند الضرورة، لكن في حدود طاقتها الممكنة، وتأكيدها على أمرين، الأول: تلبية الطلب على مستوى السوق المحلي، والثاني: الوفاء بالالتزامات التعاقدية مع الشركاء الأجانب، تحديداً إيطاليا وإسبانيا، وكل هذا يعني عدم تعويضها للغاز الروسي الموجه لأوروبا.

هكذا إذن تبدو حسابات الجزائر في ظل حرب المنافع والمكاسب الراهنة للحرب الدائرة في أوكرانيا، التي تبغي إليها معظم الدول سبيلاً، ومنها الدول العربية، ضمن رؤية هي أقرب إلى الواقعية السياسية، ومنها دول أخرى تحاول تحقيق مكاسب في ظل انشغال العالم بهذه الحرب، لجهة تجاوز خصومات وخلافات ذات بعد دولي، كما يظهر خاصة في مواقف كلٍّ من: الصين، وإيران، وتركيا.