السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

دول الخليج.. ملاذ الروس الآمن!

نعيش في عصر من العولمة ونردد أن العالم أصبح قرية صغيرة، ترتبط مصائر الشعوب ببعضها وتتداخل ثقافاتها وتمتزج، وبلا شك أن الاقتصاد العالمي جزء من تلك العولمة على هيئة شركات عملاقة عابرة للقارات تكاد لا تحمل جنسية محددة، فمثلاً شركات مثل فيزا وتويتر وبوينغ ومايكروسوفت وأبل وأديداس لم تكن تُسمى ببلد المنشأ وأصبحت مستقلةً في عيون الشعوب، حتى قامت روسيا بالتحرك ضد أوكرانيا، وقامت الدول الغربية بإنزال عقوبات اقتصادية واجتماعية ومعنوية عليها، كان بعضها هستيرياً حتى وصلت للقطط وفلاسفة ماتوا منذ مئات السنين.

بدأ العالم يدرك أن هذه الشركات والمنظمات تحمل جنسية، الجنسية الغربية، فمن القطاعات المالية إلى كرة القدم ورياضة السيارات والفرق الموسيقية وحتى الحيوانات أصبح محظوراً عليها بين يوم وليلة التعامل مع روسيا، وتم طرد الروس من كل محفل واستولي على ممتلكاتهم، فمثلاً نادي تشيلسي يُضغط على مالكه ليبيع بأقل من نصف قيمته، ناهيك عن يخوت وطائرات وفنادق صودرت في فرنسا وألمانيا لمستثمرين روس آخرين، وهذا جعل البعض يتساءل عن البدائل.

ما فعله الغرب جعل بقية العالم من حكومات وأفراد يبحثون احتمال وقوعهم في مثل هذه العقوبات

الواقع أنه لا يوجد بدائل فعالة لكل ذلك، ولا يبدو في المدى المنظور يمكن إنشاء عالم موازٍ لنظام غربي مثالي يدير 70%؜ من اقتصاد العالم ويسيطر على مفاصله، فالحديث مثلاً عن نظام روسي أو صيني بديلاً عن نظام سويفت هو مجرد التفاف لن يغني أو يسمن من جوع، وقِس على ذلك، وإذا كنا نحتاج وقتاً طويلاً جداً لإيجاد بدائل منافسة والعمل عليها فما الذي يمكن لمَن هُم عرضة للعقوبات المتعجرفة فعله الآن في هذه المرحلة؟

ما فعله الغرب جعل بقية العالم من حكومات وأفراد يبحثون احتمال وقوعهم في مثل هذه العقوبات، على أمل أن يكون المستقبل مغايراً، ما سيجعلهم ذلك مبدئياً يبحثون عن «الملاذ الآمن» لحماية أموالهم، وهي دول مستقرة ذات موثوقية لها مستقبل اقتصادي واعد، وتتمتع بأنظمة وتشريعات متطورة، تحارب الفساد وتشجع على الاستثمار وتملك معدلات نمو جيدة، ومتوسط دخل الفرد فيها مرتفع، بالإضافة إلى بنية تحتية متطورة وشعوب متعلمة، وأثبتت في العديد من منعطفات التاريخ حيادها واستقلال رأيها وتعقلها في التعامل مع التغيرات الجيوسياسية، ومَن أفضل من دول الخليج في ذلك؟

إن العمل على جذب الاستثمارات الروسية وتحويل رؤوس الأموال المتخارجة -أو الهاربة- إلى دول الخليج سيغيّر الكثير في معادلة النهوض ودعم خطط التنمية في دولنا، وسيُعجل بواقع قاله ولي العهد السعودي: "الشرق الأوسط سيكون هو أوروبا الجديدة"!.