الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

حرب قمع الكلمة

لم تكن حرب الكلمة أكثر تجلياً مما نراه اليوم إبان الصراع الروسي - الأوكراني، ولم يكن إيصال المعلومة أصعب مما هو عليه في عصر الانفتاح الإلكتروني والتواصل الاجتماعي الذي حظرت منصاته كل مخالف، فيما قمعت أقمار الفضاء الصناعية كل وسيلة إعلامية لا تتفق مع سردية الغرب.

الحقيقة أنها ليست المرة الأولى التي يشهد فيها العالم هذه الحرب الافتراضية، فقبل عامين عانى المناوئون لكورونا الأمرّين، ولم يستطيعوا التعبير عن آرائهم إلا بصعوبة، لماذا؟ لأن وسائل التواصل كانت تراقبهم وتمنع الوصول لمحتوى تغريداتهم وربما أوقفت حسابتهم، تلا ذلك الانتخابات الأمريكية الأخيرة -واحدة من أكثر الانتخابات إثارة للجدل- حيث منع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية نفسه من الحديث والتعبير عن رأيه، ومنعت خلفه آلاف الحسابات التي تؤيده - 70 ألفاً في تويتر فقط.

إنها حرب الآراء والسرديات، كل يريد أن يجذب العالم إليه، لكنها أصبحت صوتاً واحداً بعد أن تخلت المواقع الإلكترونية عن الحياد وأسكتت أي صوت آخر يمكن أن يؤثر على الرأي العام العالمي، ولعلنا ندرك ثقل وقوة ذلك الرأي الجمعي في تغير المجريات، فهناك يقتل آلاف الأشخاص دون أن يتحدث أحد، لأن الإعلام لم يلقِ لهم حرفاً، وهناك أيضاً يلتف العالم خلف مقتل رجل واحد لأن الإعلام أراد ذلك -جورج فلويد- والأمثلة على ذلك كثيرة، فالإعلام يرفع القصة التي يريد ويجعل أي قصة لا تتفق معه طي النسيان.

إنها حرب الآراء والسرديات، والكل يريد أن يجذب العالم إليه

في الماضي كان الناس يتحدثون عن سطوة الإعلام -كان محلياً في تلك الأيام-، وبعد دخول عصر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ظن الجميع أن الإعلام أصبح حراً، أنت من منزلك تستطيع أن تقول ما تريد وتسجل ما تريد لترفعه إلى عالمٍ الجمهور رقيبه وناقده، لكن هيهات، فـ«الأخ الأكبر» لا يزال يراقب ولن تفلت منه أبداً، والأحداث الأخيرة أثبتت أن ملاك المواقع يتفقون فيما بينهم على إجراءات ضد المخالفين وكأنهم يتلقون الأوامر من غرفة واحدة، هل لنا أن نعرف أين هي، لا يهم.. لكننا أكثر ثقة الآن أنها موجودة.

لا رابح في معركة الانحياز الإلكتروني هذه -أو ربما لا خاسر- فوسائل التوصل الاجتماعي الغربية فقدت مصداقيتها، ولن تعود هي الواسطة الوحيدة للتواصل بين العالم بعد اليوم، حيث تبينت العواقب الخطيرة للأمور وأدرك العالم أنه ليس بمأمن مما تواجهه روسيا في هذه الأيام، وليس القائمون على أمر السياسة ببعيد مما يحدث، فلا بد من خطوات على خُطا الصين في صناعة بدائل آمنة.