عند خلافة الشيخ خليفة لوالده رحمهما الله، أدرك أن السير على المبادئ التي ترسخت في عهد الشيخ زايد يتطلب التجديد والفاعلية والحيوية، وكشفت له تجربته التي بدأت مبِّكراً وتجاوزت عند خلافته لوالده أربعة عقود، من أنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا بالتعمق في فهم فلسفة زايد، وتطويرها وفق الأحداث، وصناعة المستقبل اعتماداً على معرفة عناصر القوة داخل مجتمعه، والاطلاع على تجارب الآخرين والبناء عليها، وهكذا فعل خلال سنوات حكمه.
لنعد بالذاكرة إلى العاشر من فبراير 2005، وذلك حين أتم 100 يوم من رئاسته دولة الإمارات العربية المتحدة وتوليه حكم إمارة أبوظبي، سنلاحظ كما ذكر «غريم ويلسون» في كتابه «خليفة.. رحلة نحو المستقبل» (الصادر عام 2015) «أن بدايته كانت حازمة، فإلى جانب التعامل مع فظائع» التسونامي الآسيوي عام 2004، أجرى تعديلات في الحكومة والمجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، وربما كان الأهم من ذلك أنه دفع بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، الذي يتمتع بالموهبة والحيوية قُدماً إلى القمة، لقد بدأ عملية تحديث الاقتصاد، وأسرع في التنمية، وعمل على تجديد العلاقات السياسية والدبلوماسية مع سائر دول العالم».
خليفة جعل مرحلة التمكين تذهب بعيدا، وتفتح المجال لما بعدها، في سيرورة حتمية تشي بصيرورة واعدة
تلك البداية، يمكن أن نعتبرها عملاً متواصلاً حتى وفاته، رسخ من خلاله مرحلة «التمكين»، وبدا فيه قائداً من الطراز الأول، على المستوى الوطني والقومي والعالمي، فنال بذلك تقديراً بل واعترافاً من قادة العالم، من ذلك ما ذهب إليه «توني بلير» رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، حين قال: «قد يتفق البعض مع صاحب السمو الشيخ خليفة، وقد يختلف معه آخرون، ولكني أعتقد أننا جميعاً نقرُّ بأنه زعيم عالمي يؤدي أحد الأدوار القيادية، فمع المساحة الجغرافية الصغيرة لدولة الإمارات العربية المتحدة، تطورت لتصبح إحدى الدول المحورية في المنطقة».
الرأي السابق لتوني بلير، يدعمه، ويزيده تعميقاً، ما ذكره الدكتور بطرس بطرس غالي، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، حين قال: «أبْحر صاحب السمو الشيخ خليفة بسفينة بلاده بنجاح في الظروف الحالكة، ولم يكد هامش الخطأ لديه يذكر، وما خَبَرْتُ عنه في هذا الامتحان الذي مرَّ به أنه زعيم لا تفتّ الظروف الصعبة والهموم في عضده، وينجح في مواجهة المشكلات العصيّة على الحل، وفي الوقت المناسب».
كثيرة هي الشهادات حول عالمية الأدوار التي قام به الشيخ خليفة، في جميع المجالات، عبرّت عن إسهام الإمارات في صناعة التاريخ، وتكريس الحداثة، على الصعيدين الداخلي والخارجي، ما جعل مرحلة التمكين تذهب بعيداً، وتفتح المجال لما هو آتٍ بعدها، في سيرورة حتمية تشي بصيرورة واعدة.