الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية

بمصادقة مجلس الوزراء الموريتاني، الأربعاء الماضي (15 يونيو الجاري)، على معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا، والتي تم الاتفاق بشأنها في يوليو 2008، تعلن نواكشوط عن سيادتها الكاملة في اتخاذ قراراتها الخاصة بالعلاقة مع الدول خارج الفضاء المغاربي، بغض النظر عن موقف الجارتين الجزائر والمغرب.

لكن هذا الموقف الموريتاني السيادي، والذي ظاهره الاقتصاد، هو سياسي بالأساس، صحيح أن نواكشوط صاحبة حق في اتخاذه، ولا تنازعها أي دولة في ذلك، لكن إذا نظر إلى الأمر من زاوية الاصطفاف، الذي لا تريده الجزائر في الوقت الراهن، فإن المنافع الاقتصادية لموريتانيا في علاقتها مع الجزائر أهم وأكبر من إسبانيا.

إن الجزائر الواثقة من صواب موقفها وصحة ما اتخذته من قرارات سياسية سيادية في هذا الشأن، في غنى عن استصدار مواقف مؤيدة لها

بعض المراقبين يرون أن هناك رسالة موريتانية، هي جزء من رسائل دول الاتحاد المغاربي الأخرى، ظاهرها: سيادة كل دولة مغاربية ـ كما هي حال كل الدول العربية ـ وحقها في تحقيق مصالحها الوطنية، حتى لو جاءت متناقضة أو معارضة لدول الجوار، وباطنها: الحيلولة دون أن تكون الجزائر قائدة للمنطقة، سواء أكان ذلك وهماً أم حقيقة.

مصادقة موريتانيا على معاهدة الصداقة مع إسبانيا، وإدخالها حيّز التنفيذ، ما كان لها أن تحدث النقاش الدائر اليوم لولا أنها جاءت بعد إقدام الجزائر على تعليق معاهدة مماثلة مع مدريد، كانت قد أبرمتها منذ عقدين من الزمن.

لا شك أنه ـ على المستوى السيادي ـ مثلما للجزائر الحق في تعليق تلك المعاهدة، لموريتانيا أيضاً الحق في إبرامها، دون أخذها في الاعتبار رد فعل الجزائر، بل إن هذه الأخيرة وضحت من خلال بيان وزارة خارجيتها رداً على أخبار أشيعت حول طلبها اجتماعاً للجامعة العربية حول أزمتها مع إسبانيا، جاء فيه: «.. إن الجزائر الواثقة من صواب موقفها وصحة ما اتخذته من قرارات سياسية سيادية في هذا الشأن، في غنى عن استصدار مواقف مؤيدة لها سواء من دول شقيقة أو صديقة أو من منظمات دولية».

وبعيداً عن زمنية الحدث الراهن المشترك بين الدول الثلاث ـ إسبانيا والجزائر وموريتانيا ـ وتطوراته المتلاحقة، فإن إسبانيا ظلت، شريكاً سياسياً واقتصادياً مهماً لموريتانيا، بداية من ثمانينات القرن الماضي وحتى الآن، حيث تم توقيع العديد من اتفاقيات التعاون في مجالات متعددة.

كل هذا يجعل من الرسالة الموريتانية الموجهة للجزائر خاصة، والدول المغاربية الأخرى عامة، مؤسسة على وقائع وليست نتاج رد فعل يميل للتقرب من إسبانيا، أو ضمن اصطفاف جديد لدول المنطقة، ورغم هذا فإن صوابها من عدمه يتعلق بالجهة المرسلة، وبالجهات المستقبلة، وخاصة الجزائر.