الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

شهر أو عام للعربية

تستحق لغتنا العربية أن يُخصص لها شهر أو عام يُسمى «عام العربية»، لنحتفي بها فيه وننهض، والاحتفاء بها يكون بترسيمها واتخاذها أداة للتدريس والبحث العلمي، ويكون بالبرامج المكثفة للتحسيس بأهميتها وربط النشء بها.

هذه اللغة العبقرية خدمتنا أكثر مما خدمناها، فقد صانت هُويّتنا الثقافية ووحدتنا اللغوية والثقافية على مدى القرون الكثيرة والأزمنة المتطاولة، وصمدت في وجه الغزاة الذين تكالبوا علينا من مختلف الجهات والآفاق من مغول وصليبيين واستعمار قديم وحديث، ولا تزال صامدة تكافح وحدها في ميدان الوغى.

تخلينا عنها ولم تتخلَ عنا، واستبدلنا بها لغات الأعاجم وألسنة الغرباء، وظلت تحدب علينا كالأم الحنون على طفلها.. نلجأ إليها للتفاهم بيننا من محيطنا إلى خليجنا دون حاجة إلى ترجمان، وحفظت لنا تراثنا الذي ضيعناه، كما ضيعناها، فهو الآن راقد في بطون الكتب والمخطوطات ينتظر نفض الغبار عنه وإحياءه واستنطاقه.


ولعله لا توجد لغة في التاريخ البشري خدمت أهلها وتراثهم كما فعلت العربية لأهلها على مدى 1500 سنة متواصلة على الأقل، لذلك قال المستشرق الألماني العلامة أوغست فيشر المتوفى سنة 1948م، وصاحب المعجم التاريخي للغة العربية «معجم فيشر»: «إنّه باستثناء الصينيين لا يوجد شعب آخر يحق له الفخار بوفرة كتب علوم لغته وبشعوره المبكر بحاجته إلى تنسيق مفرداتها، بحسب أصول وقواعد، غير العرب».


وحتى استطاع كولومبس أن يتفاهم بها مع الهنود الحمر في أول لقاء بينهم من طريق ترجمانه اليهودي الأندلسي لويس دي توريس (ت 1493م)، كانت مكانة العربية في ذلك الوقت تضاهي أو تزيد على مكانة الإنجليزية في عصرنا، لذلك طلب كولومبس من ملكي إسبانيا (إيزابِيلا وفرديناند) أنْ يُعينا له تُرجماناً يتقن العربية لاعتقاده أنه ذاهب إلى الهند، وأنه لا تُوجد لغة غير العربية ستمكنه من التفاهم مع الهنود وسائر الأمم الشرقية، وكانت المفاجأة أن بعض الهنود الحمر تحدث مع ترجمان كولومبس بالعربية كما تقول الباحثة الإسبانية الدكتورة لوثي لوبيث بارالت وغيرها، وإن صحت هذه الرواية تكون العربية أول لغة أجنبية وصلت إلى العالم الجديد؛ أي قبل الإسبانية والإنجليزية.