الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

العثمانيون العرب

ليس صراعاً بين القومية والإسلامية أو الأممية ما يقوم به أنصار تركيا، فالانحياز المريب نحو السياسة التركية لم يتجل على صورته الصارخة إلا مع بروز نجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي صرح غير مرة أنه حفيد السلاطين العثمانيين.

وقبلها كانت تركيا تُعاب من قبل نفس الجماعات، بأنها كيان علماني متطرف قام على أنقاض إمبراطورية إسلامية عظمى، علماً بأن أردوغان هو الآخر أقر بأنه متمسك بإرث أتاتورك العلماني، وأن إسرائيل دولة صديقة وحليفة.

أظن أن الأوان قد حان لصياغة رواية واضحة عن الدولة العثمانية وعلاقتها برعاياها العرب، لقد تمكن الأرمن على سبيل المثال، وعلى مدى نضال طويل من تثبيت روايتهم الدامية أثناء خضوعهم للحكم العثماني، بينما يتذبذب العرب بين التغني الانتقائي لمآثر سليمان القانوني والسلطان عبدالحميد، والتعريج السريع على جرائم الجنرالات العثمانيين في بلاد الشام ليتسربوا سريعاً لسقوط العرب في براثن الاستعمار الأوروبي.


نحتاج إلى أن نعرف بوضوح مصير ثروات المناطق العربية إبان الحكم العثماني، وما هو الدور السياسي الذي أنيط للعرب في الخلافة، فعدا عن الحكم شبه الذاتي الذي منح لأسرة محمد علي في مصر والأشراف في مكة وتكوينات هنا وهناك، هل قلّد البلاط العثماني العرب مناصب رفيعة في إدارة الإمبراطورية؟، وزراء عرب؟، رؤساء حكومات؟، مفتي الإمبراطورية؟، كبار القضاة؟ كبار العسكريين؟


أين هي آثار الحضارة العثمانية في بلادنا؟، المساجد؟، القصور؟، المسارح؟، المعاهد؟، السدود؟، المستشفيات؟، المشاريع الزراعية؟، المدارس الكبرى والصغيرة؟، ما الإرسالات التعليمية والطبية التي كانت تبعثها عاصمة الخلافة للأقاليم العربية البعيدة؟

الإجابة عن الأسئلة السابقة وغيرها ستبين إن كان العرب رعايا متساويين مع الأتراك في الدولة العثمانية، أم أنهم شعوب تم استغلال ثرواتها وتركوا للفوضى والجهل ثم الاستعمار الأوروبي.

وفي ظل التدخل الحالي والسافر للدولة التركية في الشؤون العربية، وآخرها الغزو التركي لسوريا وارتكاب المجازر في الأكراد داخل سوريا، ووجود معسكرات تركية في العمق العراقي، فإن صعود أصوات عربية داعمة للسلوك التركي لا يمكن تفسيرها بصفتها صورة للحنين العربي للمجد التاريخي القديم، فللأتراك مشروع استعماري قومي في المنطقة العربية لا يقل خطورة عن المشروع الإيراني، والعثمانيون العرب الذين يهاجمون كل إنجاز عربي، ويمجدون كل تجاوز تركي في حق الدول العربية، ليسوا إلا قفازات لليد التركية وأبواقاً للخطاب التركي المخاتل.. وسيبقى ولاء هؤلاء العابر للوطنية أحد الأخطار الداخلية المحدقة بالأمة العربية وخنجراً مغمداً جاهزاً دائماً للطعن حسب التوجيه.