الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

مؤسسة الفكر العربي.. وسؤال التجديد

لقد استبقت مؤسسة الفكر العربي ـ في ندوتها المغاربية التي عقدت في الرباط هذا الأسبوع ـ إلى طرح سؤال جوهري حول مصير الفكر العربي في ظل واقع سياسي واجتماعي متحول بوتيرة عالية، وفي سياق قطيعة معرفية كبرى فريدة من نوعها في تاريخ المعرفة والفكر العربيين، تتمثل في الطفرة الرقمية المهولة وتحديات الذكاء الاصطناعي للعقل البشري.

ولما كان عنوان الندوة يلحّ على التجديد الفكري نظراً للحيثيات التي تم تلخيصها بإيجاز أعلاه، وجد المفكرون والمثقفون المتدخلون أنفسهم في حيرة من أمرهم، وهم يواجهون في تحليلهم إشكالية البحث عن نموذج فكري عربي مختلف، يتجاوز الأطروحات التقليدية التي باتت في أغلبها اجتراراً لآراء مفكري النهضة بمختلف اتجاهاتهم، أو اجتراراً لآراء غربية لا تلامس عمق الواقع العربي وخصوصياته الإشكالية.

جاءت هذه الندوة متزامنة مع توترات سياسية واجتماعية عربية، فالشارع العربي أصبح يعبر عنها مباشرة بدون حاجة إلى وسيط فكري أو تنظيمي كما حدث في مختلف الثورات التي شهدها التاريخ الحديث، وقد أشار أهم المتدخلين إلى أن الخطأ الحاصل في ما يطلق عليه الربيع العربي يكمن في غياب دليل فكري يوجه الثورة، وإطار تنظيمي حاضن لهذا الفكر يجعل من التغيير أفقاً يتحقق بالتدرج وليس بالاستعجال والتهافت على النتائج.


ما يحدث اليوم في بعض الدول العربية، ليس مجرد احتجاجات ضد سياسات حكومية فاشلة، وتفاقم فقر هذه الشعوب وانهيارات معنوياتها الذاتية فقط، وإنما هو في الأصل فشل فكري عام تراكم خلال القرن الماضي، وفوّت على نفسه فرصة فهم ما يجري في المجتمع وإدراك المعضلات التي كانت تسبّبها الليبيرالية المتوحشة.. كما لم تثق الحكومات في دور النخب المفكرة وقدرتها على البحث عن البدائل والحلول والتنبؤ بالأزمات، وهو ما جعلها أسيرة الجامعات والمكتبات ومكاتب الدراسات، وكانت الحصيلة، أمرين.


الأمر الأول إبطال دور الفكر في التنمية الشاملة وتعويضه بالمقاربات التكنوقراطية التي لم تكن إلا توصيات لحظية ينعدم فيها التأمل والعمق، ومن ثم أصبح فعل هذه الحكومات تجريبياً تقنياً يقوم على تجريب الصواب والخطأ دون وضع رؤية متكاملة لتدبير السياسات وخلق فضاء للتشارك والاستفتاء والتعاون مع أفراد مجتمعاتها، فكانت النتيجة،هاهنا، وجود حكومات عربية بدون أي سند فكري يوجهها وتسترشد به.

الأمر الثاني، له علاقة بالفكر العربي نفسه، إذ أصبح هذا الفكر، بعد الوهج الذي عرفه منذ عصر النهضة ابتداء من الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده إلى الجابري والعروي، متكلّساً وقد استنفد دورته، لأنه لم يعد يلامس قضايا الشعوب العربية المعاصرة، ولم يستطع تأطيرها وتوجيهها بالقدر التي تنتظر هذه الشعوب منه الإجابة عن مشاكلها والتعبير عنها.

بعد هذا كله، يمكن القول: إن مؤسسة الفكر العربي استطاعت أن تضع من خلال ندوة الرباط، إطاراً جريئاً للأسئلة الحارقة التي تخصّ التحديات الجديدة للفكر العربي.