الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

سطوة الصورة النمطية

إن الحقيقة والعقلانية والموضوعية والحياد وغيرها، قضايا خلافية وإشكالية خاض فيها البشر كثيراً، واختلفوا عليها وادعى كل منهم أنه من أنصارها وحامليها، لكن من ينظر إلى صراعاتهم ومنافساتهم يرى غير ذلك تماماً، فالكل في النهاية يُحكّم ما يؤمن به وما يراه مناسباً له وما يخدم مصلحته ولو كان على حساب الآخرين وحقوقهم وقضاياهم.

وقد انتشر بين البشر ما يعرف بالصور النمطية، وهي انطباعات معينة تتضمن أحكاماً مسبقة تُتخذ وتلصق بالشعوب والحضارات والمجتمعات والجماعات والطبقات والمهن والأفراد وغيرهم، ومن الصعب محوها أو تغييرها وهذا أخطر ما فيها.

فمن المعروف أن الأسلحة الناعمة لا تقل خطورة عن الأسلحة الخشنة من حيث قوتها وتأثيرها ونتائجها، خاصة المتعلقة منها بالبعد الفكري والعقائدي والسياسي والاجتماعي والنفسي، والتي تتخذ أدوات ووسائل كثيرة وخطيرة من مثل الإعلام والدراما والأدب والكتب والحملات وغيرها، والتي يتشكل عنها أحياناً ما يعرف بالصورالنمطية، وقد استطاع المستشرقون مثلاً المساهمة بتقديم الكثير منها عن الشرق والعرب والمسلمين، وقدمت هوليوود كذلك العديد منها عن كثير من البشر والشعوب والمجتمعات والمناطق ومنها المتعلقة بنا.


ومن أشكالها الشعبية ما يعرف بالنكت والطرائف والتي تلصق بشعوب أو مناطق أو طبقات وتكون بمثابة إطلاق أحكام نافذة عليهم، فالأمريكان مثلاً يتندرون على الكنديين والإنجليز على الاسكتلنديين والقائمة تطول.


فالتنميط والنمذجة والتصنيف المسبق آراء قد تتضمن عنصرية وعدائية وازدراء، وقد لا تستثني أحداً، فجميع البشر والملل والطبقات والجماعات عرضة لذلك، حيث يتم إصدار الأحكام عليهم، بناء على تصورات وانطباعات اتخذت عنهم وأُلصقت بهم، وغالباً ما تكون سلبية، وقد يكون بعضها مثالياً كالحديث مثلاً عن حياة الغرب والمشاهير وغيرهم.

واليوم يعاني المسلمون كثيراً من هذا التنميط، حيث تقوم دول وجهات ومؤسسات أجنبية بإلحاق أسوأ الصفات بهم وبإصدارالأحكام والانطباعات المسبقة عليهم، وبشكل منظم لمحاولة تشوييهم لأغراض خاصة متعلقة بالصراع والحروب والهيمنة وغيرها.

لكن هل من الممكن تغيير هذه الصور النمطية والانطباعات المأخوذة عند البشر؟ في الحقيقة ربما الأمر من الصعوبة بمكان، لأنه متعلق بطبيعتهم وبقضايا المصالح والصراع والعداء بينهم، وهي باقية ما بقيت هذه المنافسات، والاختلافات البشرية.