الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

لسنا أبناء عصر المؤسسات!

في صيف مضى، كنت أجلس على رصيف مقهى في مدينتي البلجيكية، وببساطة وبدون أي ضجة كان الملك البلجيكي فيليب يمر من أمامنا معه مرافق واحد ظاهر في العلن، انتبه له الناس، ألقى التحية بيده وأكمل طريقه والناس أيضاً أكملوا تفاصيل يومهم بدون توقف.

لا كاميرات تصور، ولا هواتف خلوية تسحب من أغمادها لتوثيق اللحظة.. تلك اللحظة التي كانت عادية جداً ولم يعتبرها أحد تاريخية، إلا أنا الذي «تشردقت» بالقهوة تلك اللحظة، وارتبكت بحثاً عن هاتفي لأوثقها صورة وفيديو، وربما سيلفي مع الملك لأتباهى به على السوشيال ميديا.

أنا القادم من الشرق محملاً بكل تعقيداته وعقده النفسية والتاريخية، وخيباته أيضاً.. أنا القادم من أوطان مرتهنة للزعيم الأوحد، والقائد الملهم، وإن تنازل وتكرم الملهم والأوحد بالنزول إلى الشارع لوجدت محيط هذا الشارع ولمسافات بعيدة قد تم تعقيمه وتطهيره من المواطنين العاديين جداً، المقهورين والبائسين والراكضين خلف لقمة العيش والرزق العقيم، وربما أُخليت شوارع محيطة بكل ما فيها ومن فيها، حفاظاً على أمن وسلامة الملهم والأوحد!


ترى ممَّ يخاف الملهم والأوحد؟.. والسؤال بصيغة مقابلة: لماذا لا يوجد في الغرب ملهم وأوحد؟


الجواب: لأن الذي يحكم هو المؤسسات، هناك ملوك، وهناك رؤساء، ومنهم من له زمن طويل في الحكم، لكن كل هؤلاء تحت القانون، ومناصبهم ضمن سياق وظائف الخدمة العامة في الدولة، والدولة في مجمل ذلك كله، دولة مؤسسات وقانون.

لذا لا أحد يهتم كثيراً بمرور المسؤول هنا أو هناك، فهو مسؤول، وهذا يعني مسؤولية، وأسئلة شرعية باسم الدستور لو تعثر أو أخطأ.

في عالم «دولة المؤسسات» أنت محمي بالقانون، والمسؤول محمي بالقانون، والقانون نفسه بكل تشريعاته هو الحكم بين الجميع وعلى كل المستويات.

حتى القانون نفسه، يمكن لك محاكمته إذا تعرضت للظلم من تطبيقه، عبر ما يسمونه هنا، محقق الشكاوي، والملزم أمام أي شكوى تثبت صحتها أن يحاسب المسؤولين على ظلم القانون للناس! المشكلة في عالمنا العربي ليست بالرؤساء ولا مسؤولي الصف الأول، بل صارت في كل من يتولى مسؤولية حتى لو كانت بلدية أو مجلساً محلياً، لينفجر المارد الكامن في داخل المسؤول، وتتلبسه مشاعر التعملق والقوة والسلطة.. مهما كانت سلطته صغيرة، فيستبد، ويكبر الاستبداد فيه حتى يصل مداه.. مشكلتنا في المجتمعات العربية ببساطة، أننا لم نكسر الأصنام بعد.