السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

«ساداكو».. رائدة فكرة الأمن الإنساني

غيب الموت في يوم 22 أكتوبر الماضي، الدكتورة «ساداكو أوجاتا»، أشهر مديرة إدارية وعالمة ودبلوماسية في منظمة الأمم المتحدة عن عمر ناهز 92 عاماً.

وتنحدر «ساداكو» من أسرة ميسورة الحال، عاشت وترعرعت في أجواء العهود الليبرالية، التي شهدتها اليابان بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبعد أن أكملت دراساتها الأكاديمية بنجاح وهي في مقتبل عمرها، فضلت أن ترمي نفسها في عالم الدبلوماسية المضطرب، وتنضم لإدارة منظمة الأمم المتحدة.

وسرعان ما وقع عليها الاختيار لتتولى منصب المفوضة السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عام 1991، واحتفظت بهذا المنصب عقداً كاملاً، شهد العالم خلاله العديد من الحروب الأهلية والمطالبة بتأمين حقوق النازحين في البلقان وأفريقيا بعد نهاية الحرب الباردة.


وشغلت بعد ذلك منصب رئيسة «الوكالة اليابانية للتعاون الدولي» JICA بين عامي 2003 و2012، واستشرفت من خلال منصبها الجديد آفاق، وإمكانات مساهمة اليابان في تقديم المساعدات التنموية في قارتي آسيا وأفريقيا.


وتزوجت بعد ذلك من خبير بنوك ناجح على المستوى العالمي يدعى «شيجورو أوغاتا»، كان يشغل منصب مدير بنك اليابان، وإليه يعود فضل تأسيس العلاقات الدولية للبنك، كما ارتبط اسمه بمشروع إعادة الهيكلة المالية لمنظمة الأمم المتحدة من خلال عمل متكامل نشر تحت عنوان «تقرير فولكير- أوغاتا»، وحقق الرجل هذا البروز بالرغم من أن شهرته قد ظللتها النجاحات التي حققتها زوجته «ساداكو».

وكان من أهم إنجازات «ساداكو» هو دعوتها لتنفيذ فكرة تحقيق الأمن الإنساني، وشاركت الاقتصادي والفيلسوف الدكتور«أمارتيا سين» في رئاسة لجنة الأمن الإنساني التابعة للأمم المتحدة بين عامي 2001 و2003، وخرجت من مهمتها تلك بتقرير حمل عنوان: «الأمن الإنساني الآن.. من أجل حماية وتمكين الناس»، ونُشر عام 2003 وأصبح حجر الزاوية في تطوير الفكرة واستغلالها من النواحي العملية.

إن تحقيق الأمن حكر على الدولة وبرعاية الجيش والشرطة والمخابرات، وبالطبع يكون عمل هذه المؤسسات مهماً وهو جزء أساسي من المنظومة الأمنية، إلا أن الأمر الأكثر أهمية من ذلك هو الهدف من هذه الرعاية وهو تحقيق الأمن الإنساني الجماعي للناس.

وفي هذا العالم المعولم والمتواكل بعضه على بعض، أصبح الفقر وتدمير البيئة والكوارث الطبيعية والأمراض الوبائية والإرهاب والأزمات الاقتصادية والمالية المفاجئة، تشكل المصادر الرئيسة لتهديد حياة الناس.. فكيف يمكننا حمايتهم من آلام ومعاناة الصراعات والكوارث، إلا بالتركيز على فكرة «الأمن الإنساني»، وتمكينهم من تقوية عزائمهم والحفاظ على كراماتهم؟ ويجب أن يكون هذا هو الهدف الحقيقي لتقديم المساعدات الدولية.

وعلى أن هذا الهدف المرتكز على الطريقة الإنسانية لتحقيق «الأمن الإنساني» تم اعتماده بحيث يمثل أولوية يابانية ومعياراً ليس فقط لطبيعة المساعدات التنموية الدولية التي تقدمها اليابان، بل وأيضاً كسياسة أمنية ودبلوماسية.

لقد كانت الفقيدة المرحومة «ساداكو أوجاتا» إنسانة واقعية دعت لتحقيق المثل العليا بقلب نقي وسريرة صافية.