الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

المستشرفون الجدد

شاهدت مقطعاً مصوراً دعائياً لمنتج تجميلي قامت به إحدى من دُرج على تسميتهن بمشاهير وسائل التواصل، فمررت عليه بنظرة غير المكترث، الذي لم يستوعب مادته لأنها لم تثر اهتمامه.. الغريب أنني وبعد أيام لفت انتباهي حجم الضجة التي أثارها المقطع المذكور، وحالة الاستنكار تجاهه، والتهم التي وجهت لمن قامت به والشركة الراعية.

كانت النقمة تجاه ما سمته جموع الغضبى بالمادة المستفزة والعبارات غير الأخلاقية التي تمس ثوابت الدين والمجتمع، وهي اتهامات أصبحت سمة تطلق على كل ما يثير نقمة الجماهير التي ترى فيما يختلف مع أيديولوجياتها الدينية والثقافية المجتمعية مساساً بمسلماتها، حتى لو لم يكن الأمر موضع الاتهام كذلك.

وبدافع الفضول لم أجد صعوبة في إيجاده لإعادة مشاهدته، فقد بات الآن حديث الساعة، حتى إن أصحاب الحسابات الموثقة المؤثرة والمستشرفين منهم على وجه الخصوص، لم يتركوا الأمر دون تعقيبهم الذي أثار بالطبع استحسان الأتباع الممتعضة.


مجدداً، لم أنتبه لأسباب الشقاق حوله، فظننت في البداية أنه بسبب وجنسية «المشهورة»، أو ربما لمبالغتها في «الميك أب»، لكني لم أقتنع بذلك، وحال التركيز به لأكثر من مرة لفت انتباهي ترديدها لجمل يبدو أنها فُسرت من قبل «دعاة الفضيلة»، لما فُهم بكونه ترويجاً للشذوذ الجنسي، وللعلاقات المحرمة شرعاً وتلفظ بكلمات خاصة بالجسد، سارع مسيئو الظن لفهمها وفق عقليتهم التي ربطت الأشياء بأمور ثابتة في مخيلتهم، مع أنها في التأويل تحتمل أكثر من وجه، وهو ما يقودنا إلى معضلة اجتماعية ونفسية في العقل العربي المعاصر لبعض مجتمعاته، التي باتت سيئة الظن وتنتهي جميع المفاهيم لديها كما تبدأ بالجنس ولا شيء غيره.


فلو مثلاً ابتسمت فتاة أو شكرت من باب المجاملة أو حتى نظرت خطأً لشاب لا تعرفه، فذلك لا بد له أن يعني أنها أحبته أو معجبة به، ولو روجت فنانة لمستلزمات نسائية تستخدم لنضارة الجسد، ولها ما يُجمّل العلاقة الجنسية فذاك ترويج للفاحشة!

عموماً، ما استنبطته من المقطع سابق الذكر حين تعاملت بحسن النية المفترض، أنه لا يعدو أن يكون دعاية بريئة ولكن صريحة لمنتج تجميلي.. أجزم أن الإقبال عليه سيكون كبيراً من المستشرفين أنفسهم الذين شنوا من قبل حملاتهم عليه!