الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

تذكرة ذهاب وغياب!!

قلنا من قبل ولا نمل القول إن هناك فضيلة غائبة في أمة العرب، وأدى غيابها إلى انهيار المناعة الفكرية والعقلية لدينا أو أصابتنا بالإيدز الفكري والعقلي، بحيث صارت رؤوسنا مقالب قمامة تلقى فيها كل النفايات بلا أي مقاومة منا، وصرنا ضحية وفريسة سهلة لما أُسّميه إبداع الخداع والأكاذيب التي صارت عندنا مسلمات غير قابلة للنقاش.

الفضيلة الغائبة أعني بها التدبر وإعادة النظر ومراجعة كل ما تعلمناه وحفظناه وألقي في رؤوسنا حتى صرنا الأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وغياب فضيلة إعادة النظر أدى لتشويه الدين نفسه، وجعل ثقافة العرب ثقافة موت وحزن فرضوها على القرآن الكريم الذي صار كتاب موتى وحزن وهم وغم، وصار قراطيس نخفي بعضها ونظهر بعضها، فنحن لا نتذكر القرآن الكريم إلا بتلاوته على قبور الموتى وفي سرادقات العزاء وعلى رأس مريض يشرف على الهلاك، وكل الأدعية الدينية التي يعرضها من نسميهم الدعاة والعلماء لتفريج الهم وكشف الضر والشفاء من مرض والخروج من مأزق وحالات الانكسار والهزائم، لكننا ننصرف تماما عن كل النصوص الدينية في حالات الفرح والسرور والانتصار والفوز ونستبدل بها الأغاني والرقص والمأكولات والمشروبات، كالذين ركبوا البحر واشرفوا على الغرق فراحوا يتضرعون إلى الله بأدعية النجاة وكشف الضر، فلما نجاهم حجزوا قاعات الفنادق واستدعوا الراقصات والمطربات والمطربين احتفالا بالنجاة.

وهكذا وبسبب غياب فضيلة التدبر والمراجعة وإعادة النظر لدى العرب ارتبط الدين عندنا بالكآبة والحزن والعبوس والموت، وأصبحت التقوى في رأينا هي ترك الحياة والعزوف عنها، بينما لم يدعنا القرآن ولا السنة للزهد في الحياة ولكنه دعانا إلى الزهد في الدنيا، فالزهد في الحياة محرم شرعا لذلك حرم الله الانتحار ولكن الزهد في الدنيا مباح ومدعو إليه شرعا، لأن الحياة لا تنتهي فهي حياة في الدنيا وحياة في الآخرة لكن الدنيا منتهية وزائلة.


ومن عجائب العقل العربي أنه ربط الحزن والجهامة والعبوس بالجدية والرزانة، وربط المرح والسرور والحبور بالهزل والتفاهة، وذلك أيضا من إبداع الخداع ومن نتائج غياب فضيلة إعادة النظر وانهيار المناعة العقلية والفكرية، وكم نود أن تكون تذكرة الفضيلة الغائبة ذهابا وإيابا وألا تكون تذكرة ذهاب وغياب!.