السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

قائمة شندلر

قال الروائي الأمريكي ويلم فوكنر إنه سيكتفي من الحياة بوظيفة حارس في نادٍ ليلي مع كتاب واحد هو دون كيخوته. قد تكون هذه أمنية واقعية لكاتب عظيم وملهم، تعلم منه ماركيز وإيزابيل الليندي وغيرهما. والمعروف أن أُم الروايات (دون كيخوته) تستحق أن تقرأ في الحياة لمرات عدة، وأن الهوس بها من قبل أجيال عدة من الكتاب والقراء على حدٍّ سواء له ما يبرره، لكن هل يستطيع أحد ما أن يقرأها عشر مرات على سبيل المثال، دون أن يمسّه شيء من الملل؟ ماذا عن نسخ الأفلام العديدة التي تناولت هذه الرواية، هل يمكن مشاهدتها أكثر من ثلاث مرات؟

في الحقيقة، إن من أصعب الأسئلة التي يواجهها القارئ أو المشاهد هو كتابه المفضل أو فيلمه المفضل الذي (يستوطن الذاكرة ويصبح الفيلم الخالد الذي تستعاد مشاهدته وكأنه الأغنية المفضلة) دون أن يحسب حساب العمر الذهني والمزاجي الذي يتطور من خلاله الإنسان ثم تتبدل مع الوقت قناعاته ورغباته وحتى مفضلاته، تشغلني دائماً هذه الأسئلة التي تضع آراءنا اللحظية في ثلاجة زمنية تجمد ما نتفوه به إلى الأبد، أو تلك التي تطالبنا باختصار أنفسنا في اختيار واحد لا يمثل بالضرورة كل الحقيقة.

لم يقفز إلى ذاكرتي بأريحية ودون عناء فيلم بحد ذاته عندما سألت مرة عن فيلمي المفضل، لقد ازدحمت في رأسي مجموعة من الصور والعناوين والمشاهد والذكريات. فتشوشتُ في الإجابة، وقلت مع نفسي لأبسط الأمر وأعيد السؤال: أي فيلم أود مشاهدته مرة أخرى هذا المساء؟ العبقري لمايكل غراندغ، غاسبي العظيم لباز لورمان، أو الحياة المضاعفة لفيرونيكا لكريستوف كيسلوفسكي؟


وأخيراً قلت: قائمة شندلر لستيفن سبيلبرغ. فهذا الفيلم الذي أبكاني في مراهقتي كثيراً، يستحق مني الإعادة لذكرى شخصية مؤلمة، تحمل معها الكثير من الحزن الإنساني الذي يتربص بأماننا الوهمي.


نجري أحياناً قرعة اعتباطية لمفضلاتنا ثم نكتشف بالنهاية أننا بحاجة لاستعادة أنفسنا من الماضي عبر فيلم أو أغنية، ثم نضيف: هذا ما أفضله هذه اللحظة!