الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

هل كان أمين الريحاني جاسوساً؟

في عام 2006م أثارت مجلة الهلال المصرية الرأي العام الثقافي العربي، بزعمها الكشف عن أدلة دامغة تثبت أن الأديب والمفكر العربي اللبناني أمين الريحاني في جزء من شخصيته، هو عميل استخبارات أمريكية.

الملف الذي أعده رئيس تحرير المجلة ذلك الوقت «مجدي الدقاق»، نشر وثائق بخط يد أمين الريحاني مرسلة إلى الخارجية الأمريكية، وكانت هذه الوثائق قد أفرجت عنها الخارجية الأمريكية كعادتها بعد مرور عقود على صدروها، كجزء من ثقافة الشفافية مع الشعب الأمريكي، وفي توقيت تكون الوثيقة قد فقدت فيه تأثيرها الأمني والاستراتيجي.

وبيّن الدقاق أن هذه الوثائق قد تسلمها من أستاذه الدكتور محمد أنيس، وكان أنيس بدوره قد نشر جزءاً من الوثيقة في مجلة «الثورة» اليمنية قبل عقدين من تاريخه.


وتحتوي الرسائل التي كان يرسلها الريحاني للخارجية الأمريكية معلومات مفصلة عن أحوال المنطقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، جمعها أثناء رحلته الشهيرة للجزيرة العربية في العشرينات، التي مكنته من تأليف كتابه الشهير «ملوك العرب»، إذ التقى في هذه الرحلة بأهم ملوك العرب حينها في اليمن والجزيرة والأردن ودول الخليج.


والمدافعون عن الريحاني إذ يرفضون توجيه تهمة الجاسوسية له، لم يتطرقوا إلى عدم صحة الوثائق التي نشر جزء منها في الهلال في حلقات مسلسلة، لكنهم نفوا حتمية دلالة تلك الوثائق على انخراط الريحاني في مهام تجسسية.

وليس الغرض من إعادة طرح الموضوع هو الموازنة بين الرأيين، ولكنه التبصر في أهمية حقبة زمنية عربية لا تزال تقبع تحت الظل، فبرغم خصوصية ودقة السنوات التي تبعت انتهاء الحكم العثماني (1924م) وأسست لنشوء الدول الوطنية العربية، إلا أن تلك الحقبة لا تزال غامضة ومشوشة التفاصيل، وخصوصاً أنها المرحلة التي تمكنت فيها القوى الاستعمارية من السيطرة على الوطن العربي.

ولا يزال كم كبير من الوثائق مودعاً في الأرشيف العثماني وفي دول الغرب ولم تتم دراستها بعين فاحصة وناقدة، كما لم يتمكن أحد من التشكيك في صحة الوثائق المنسوبة للريحاني، ولم ينف أحد علاقته بالخارجية الأمريكية، فربما كان جاسوساً، وربما كان عربياً مثالياً حالماً بأن يمد الغرب الحداثي والإنساني يده للعالم العربي لانتشاله، ولكن لا بد من أنه كغيره ممن أحسنوا الظن بالغرب سقطوا في الصدمة حين سقط الوطن العربي في الاستعمار ثانية.