الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الموت عشقاً للغة العربية

قبل أيام احتفل الناطقون باللغة العربية على منصات التواصل الاجتماعي بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي أقرته جمعية الأمم المتحدة عام 2010.

راقبت مشاجرات المغردين خفيفة الظل، بين مغرد مزهو بلغته، يستعرض جمالياتها وأصالتها، ومغرد ناقم على تعقيداتها واشتقاقاتها التي لم تسعفه على مواكبة المصطلحات العلمية والتكنولوجية الحديثة، بينما لجأ السفير الكندي في العراق إلى تسجيل قصيدة باللغة العربية في حب بغداد وسط إعجاب المغردين الحار، في خضم ذلك، تذكرت - ربما - تحت تأثير الحماس الجماعي، حادثة وفاة سيبويه أسطورة زمانه في علم النحو، الذي توفي شاباً بسبب الكمد والغم الذي أصابه من جراء مناظرة عرفت بالمسألة الزنبورية، حدثت بينه وبين زعيم مدرسة النحو في الكوفة الشيخ الكسائي، أظهر كل واحد منهما مهارة في مناقشة المسائل النحوية، حتى جاء سؤال الكسائي المفاجئ حين سأل: كيف تقول «كنتُ أظن أن العقربَ أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي، أم فإذا هو إياها؟ فأجاب سيبويه وعارضه الكسائي وبقي الاثنان يتجادلان، فطلب الكسائي إحضار مجموعة من الأعراب الأقحاح، ممن ينطقون بالفطرة السليمة وشهدوا بصواب الكسائي، لكن ألسنتهم لم تطاوعهم على لفظ الجمل.

بعد هذه الحادثة، قرر سيبويه الرحيل متجهاً نحو بلاد فارس، وفي قلبه وجع وفي روحه مرارة، مات بعدها بمدة قصيرة عندما رفضت معدته الطعام، ولو أجرينا مراقبة سريعة لأعراض مرضه، فسيكون من الواضح جداً أن عالم النحو الفذ، عانى من بعض أعراض الكآبة.


فكل علامة لا تمتلك قيمة تداولية تموت وتبقى سجينة المعاجم. اللغة لا تتطور بقرار أكاديمي أو برغبة مجموعة أفراد، فهي كائن حي يمتلك شروط تطوره الداخلية التي تمنحه القدرة على التكيف مع ضرورات الحياة الحديثة ومبتكراتها. لذلك تسمى مجموعة اللغات المستخدمة في يومنا هذا على نطاق واسع باللغات الحية. وعندما نتحدث عن اللغة العربية، يذهب تركيزنا باتجاه خاطئ نحو المعجم وننسى أن بين أيدينا لغة عربية حديثة. نكتب بها وتقرأ بشكل يومي، مات سيبويه حباً في اللغة بينما أثبتت اللغة العربية الحديثة أنها ليست شاذة عن اللغة الأم بل هي تطورها الطبيعي الذي يؤكد حيويتها وقدرتها على الاستمرار.