الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

وداعا محمد شحرور

غادر دنيانا الدكتور المهندس محمد شحرور بعد سنوات من العطاء، وبعد أن ترك بصمته الخاصة في واقعنا الثقافي والاجتماعي، وكانت آخر سنوات شحرور الأكثر تأثيرا ووهجا.

هو أحد الذين مكنهم زمانهم من إبلاغ رسالته، فقد استفاد من ثورة الاتصال بتعدد الفضائيات وانفتاح شبكة الانترنت، واستعصاء المعلومة على الحواجز والموانع والقيود، كما واتته الأمواج بتغير المزاج العام تجاه الأطروحات التقليدية الشائعة حول المفاهيم الإسلامية، فلقي قبولا لم يلقه من سبقه، فظهر أمام العامة وجادل المخالفين وقال ما يريد بكل حرية.

تقوم أطروحات محمد شحرور، رحمه الله، على الاجتهاد في (تأويل) الآيات القرآنية محل الجدل، بالتخلي عن كتب التراث تخليا تاما، وبإعادة تفسيرها تفسيرا لا يتناقض مع ما توافقت عليه البشرية من مبادئ حقوق الإنسان والقوانين الكونية الكبرى في زماننا، فأوجد تخريجات (آمنة) لآيات ضرب المرأة، والجواري والعبيد، وقتل المخالف، وغيرها من الآيات التي يرفض (حُراس التراث) إعادة النظر في تأويلها بما يخدم صورة الإسلام الحضارية.


وتصنف أطروحات شحرور بأنها أكثر بساطة وأقل جرأة من أطروحات مفكرين مجددين آخرين مثل محمد أركون ونصر حامد أبوزيد، ولكن أطروحات شحرور لقيت انتشارا أكبر لبساطتها وسهولة تلقي الإنسان البسيط لها، ولأنها لا تقوم على مفاهيم انقلابية كبيرة قد تستفز المتلقي، فضلا عن أن أفكار تنبثق من داخل الفكر الإسلامي ذاته.


ليست أطروحاته كباقي الأطروحات التي ترى أن الآيات (الإشكالية) هي آيات (تاريخية) نزلت فقط على جيل التنزيل ولا تسري أحكامها على باقي العصور التي تغيرت طبائع أهلها وقوانينهم.

وكانت الصدمة الكبرى التي واجهت المسلمين في زماننا هي تمكن (داعش) من تأسيس الدولة «الإسلامية»، وإسقاط الآيات القرآنية حسب فهمهم بحرفيتها، في فرض الحجاب وإعادة العبودية وتنفيذ الحدود، واستشهادهم على صحة منهجهم بالأحاديث النبوية وبالمقولات الفقهية التراثية، الأمر الذي جعل مراجعات محمد شحرور وإسلام البحيري محل توقف كثير من المسلمين ممن لم يتقبلوا تطبيق داعش والقاعدة جاهلي الدولة الإسلامية التي قضوا حياتهم يحلمون بإعادة بعثها.

ولم يجد مخالفو شحرور سبيلا للرد عليه إلا القفز على أطروحاته، باجتزاء كلامه عن سياقه، واتهامه بإباحة الفاحشة والتعدي على رموز التراث.

وهكذا يؤكد العاجزون دوما، أنهم أضعف من أن يثبتوا في موقع الجدل المنهجي، وأضحل من أن يردوا الحجة بالحجة، وأبعد بكثير عن أن يجددوا الفكر والثقافة، ولكن نحن في زمان لم يعد فيه مكان لحُراس البوابات.. إنه لم يعد زمانهم بعد اليوم!.