السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

كيف تولد الأفكار الكبرى؟

لقد شغل هذا السؤال الفلاسفة والعلماء منذ زمن طويل، وإذا اقتصرنا على رأي «طود لبرات» المتخصّص في الشؤون الإبداعية والمدير السابق لمختبر علم النفس التطبيقي، فإنّنا نلفيه يقدم مدخلاً للجواب بتأكيده على أنه يجب أولاً تحديد القصد من الأفكار الكبرى ودلالتها، فإذا كانت تعني أنها مرتبطة بالإلهام ميتافيزيقياً كما كان يُعتقد في السابق، فإنّ جزءاً من هذا المعنى ما زال مأخوذاً به نظراً لصلته حسب طود بمعنى «الإبداعية».

وهذا لأن الحديث عن الأفكار الجديدة والأصيلة هو أخيراً حديث عن درجة معيّنة من الخيال الذي يعتبر أعلى درجة في الاجتهاد لمّا يتعلق الأمر بالتجديد والابتكار، أي أن الأفكار الكبرى تولد من القدرة على ركوب الخيال والتسامي عمّا يُعتقد حقائق ومسلمات ثابتة، وليس كل من يجتهد يصل إلى مرحلة الخيال المُبدع والمُبتكر، ولذلك يعتبر الاجتهاد عتبة موصلة إلى الإبداع فقط.

لقد استطاعت المجتمعات التي تمكّنت من إنتاج الأفكار الكبرى أن تجعل من الخيال هدفاً استراتيجياً في بناء إنسانها ووضع توقّعات ملائمة لمواجهة أزماتها، لذا ففكرة استباق ما يمكن أن يجري في المستقبل وصناعة تصورات وبدائل لمواجهة هذا الممكن لا يمكن أن تكون إلا من صنيع الخيال ذاته.


إن القيمة الخيالية التي تَحقق بها الذّكاء الاصطناعي، تدعو اليوم إلى أن تُستلهم في الاقتصاد والأبحاث المختبرية وفي العلوم الإنسانية، وهذا ما تنبهت إليه الدول الذكية وهي توسّع مجال خيالها في مختلف الحقول العلمية.


لقد أشار طود إلى أن الوعي بأهمّية الخيال وجاذبيته دفع بالبحث إلى التنامي بقوة، إذ وصلت الدراسات العلمية المنشورة في الموضوع ما بين 2000 و2019 ضعف ما نشر في 150 عاماً الماضية، فبعد دراسات علم النفس والعلوم المعرفية، أصبحت اليوم علوم الأعصاب ابتداء من بداية هذا القرن تستشرف آفاقاً مدهشة، أساسها التخيل المرتبط بالإبداع العلمي، إذ أصبح هناك تمييز بين «س الكبرى» و«س الصغرى»، ويُعنى بالأولى، الإبداعية ذات الصلة بالتاريخ، وبالثانية الإبداعية الخاصة التي تمارس على المستوى اليومي.

هناك نماذج لفهم السيرورة الإبداعية، مثل مفهوم الاستبطان في معانيه الأولى التي ضبطها عالم الرياضيات هنري «بوانكري» (1854-1912) وهو يطوّر إضاءة مصعد حافلة النقل، أو مفهوم ألبير إنشتاين (1879-1955) الذي حاول أن يحل فكرياً محل الفوتون والذرة ليتخيل كل حركاتها الممكنة.

لقد انطلقت فكرة التجديد والابتكار، من خلال الخيال، بنشر أول نموذج في الموضوع سنة 1926 من طرف أستاذ العلوم السياسية «كراهام وولس» الذي حدّد 4 مراحل في إنتاج الأفكار الكبرى، وهي: التحضير والحضانة والإضاءة والتحقق.

أما أبحاث عالم النفس بول كيلفورد فقد ركزت على أن هذه الأفكار لحظة إبداعها تمرّ عبر المخيلة لاكتشاف الإمكانات التي ليس لها شبيه، وبدونها يصعب الحديث عن دلالة الأفكار الكبرى.