الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الجنس والرواية

المدافعون عن الحرية الأدبية المطلقة في تناول مختلف المواضيع دون مواربة وبصراحة مطلقة، يرونها عملاً فنياً لا بد من الوضوح فيه دون حواجز مع أريحية الوصف الجنسي، الذي لا يقتصر على صورة وذكر لحدث، وإنما تصوير وتفصيل دقيق للممارسة بما فيها من شذوذ وسادية ومازوشية، أو حتى عابرة وطبيعية سواء كانت في الإطار القانوني والشرعي أو خارجه.

فهل الجنسانية في الأدب ضرورة لخدمة النص وإيصال الفكرة؟ وعرضها بشكل واضح للقارئ حتى يعي ويدرك القصد؟ أم أن وجودها إن تطلب الموضوع ذلك يجب أن يكون بالتلميح مع ترك خيال القارئ لتصورها وفق فهمه في حدود ضيقة تتعلق بالحدث الذي يقرؤه؟ ما الداعي مثلاً أن يُطلع الكاتب قارئه على تفاصيل علاقة جنسية بدقة؟ وما الغاية التي يريد الوصول إليها؟ وما الفائدة المرجوة من سرد لتفاصيل علاقة حميمة وكيف ستثري النص؟

أليس الأجدى ألّا نحول متعة الأدب وأهدافه السامية لمنبر لإثارة الغرائز، التي ربما ستفقد بوصلتها بعد التشويش الناتج عن استفزاز غريزتها، أم أن للأدب مطلق الحرية دونما سقف مكبل وحدود نابعة من ضوابط عرفية ومجتمعية ودينية ورسمية تقيد الإبداع وتفرض عليه الرقيب؟


لم يعرف الجنس في الرواية حرية النشر دون قيود إلا حديثاً، فحتى الدول الغربية العلمانية بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وضعت محاذير له ومنعته، ما أسهم في تداوله بالسر ليحد من انتشاره تارة وأخرى ليتسبب بشهرته والطلب عليه، فالنقد اللاذع له والمنع ساهم بدعاية ظاهرها سلبي، لكنها قادت لإقبال الجمهور عليه، الذي يحركه الميل للممنوع، ليحاجج العديد من المشرعين بعد ذلك بضرورة رفع القيود المفروضة على الروايات والقصص المحتوية على مقاطع موغلة بالإباحية بحجة الحرية أولاً، وبذريعة عدم المساهمة بشيوعها وتقديم دعاية مجانية لها إن مُنعت وانتقدت كما رأى آخرون.


إن الروايات المليئة بالألفاظ الخادشة دون مواربة في ذكر الأعضاء الجنسية بمسمياتها، والمسهبة بتوصيف الممارسة دون توارٍ خلف الإشارات والتلميحات والرمزية، ربما تكون باباً للشهرة والمكاسب المادية، التي يفتقدها منتهجو الأدب الرصين، ولذلك يلجأ العديد لهذا التكنيك السريع والفعال، الذي لم يقتصر العائد منه على المادي، وإنما بات يقود أيضاً إلى بعض منصات التتويج، المشجعة لأدب بلا ضوابط تعده ذا دلالات تعكس واقع المجتمع، ونافية عنه الاتهامات بالإثارة والمتعة الدونية.