الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

معنى الإقدام على كتابة رواية

ما معنى أن نُقدم على كتابة رواية؟.. ربما ما يبرر طرح هذا السؤال هو كثافة الكتابة الروائية.. فما يكتب من روايات في العالم العربي فاق أي تصور، حتى البلدان التي كانت مصابة بالفقر الروائي جعلت من هذا الجنس أحد أهم وسائلها التعبيرية، ومن هنا يبدو السؤال مشروعاً، لكن ليس سهلاً كما نتصور في الوهلة الأولى من خلال فرعيه: معنى أن نكتب؟ وما جنس الرواية تحديداً؟

يمكننا أن نقول: «أن نكتب» يعني أن نكون قادرين على صياغة عالم غير مادي على الرغم من ماديته من حيث الإحساس الذي يخلّفه في القراء.. عالم موازٍ للحقيقة الموضوعية، لكنه لا يمكن أن يكون ذاتها، لأنه مناهض لها من حيث كونه يدمرها كلياً ويعيد خلقها وتركيبها ونزع ما يضاد حركية النص، وإضافة ما يستدعيه النص لاكتمال بنائه.

لا يوجد وراء ذلك كله إله يتحكم في حركية الناموس الأدبي، ولكن يحضر فرداً يحمل سمة الخلق والخالق إذ كل شيء يمر عبر أنامله وطاحونته أيضاً التي لا تبقي من المجتمع إلا ما يتماهى في النص ويتشكل من خلاله، بمعنى مختصر أن نكتب يعني أن نكون قادرين على إنتاج عالم تخيلي حي ومغرٍ للقارئ، حتى يأتي نحوه ويحبه، يتجاوز ذلك ذواتنا الصغيرة التي مهما تعملقت، تظل صغيرة وتحت سلطان النص في كل تنوعاته وغناه، لا يقطع مع هذه الذات كلياً لأنه بكل بساطة من ينجز النص ويحدد معالمه لم ينزل من المريخ، ولا مع أول عاصفة ممطرة، فهو كيان وفعل تراكمي قبل أن يكون ذاتاً مجردة غارقة في ذاتية افتراضية.


وهذا يقودنا إلى القول: إنه لا يوجد النص الصافي، أي ذاك النص الافتراضي التخيلي كلياً، فلا بد لليد التي شكلته والعقل الذي تخيله أن يترك عليه ملامسه، لكنها ملامس تذوب في النص ولا تبدو نافرة وإلا فستخسر الكتابة أدبيتها العميقة.


إن المشكلة الكبيرة التي يدركها القارئ بحواسه الحية ليست في الذاتية، ولكن في إقحامها قسرياً مما يربك النص كلياً ويحد من قوته التأثيرية بل حتى على بنيته، بحيث يبدو الافتعال عاملاً سلمياً لوحدة النص، وطبعاً لا يوجد كاتب واحد في الدنيا جلس على طاولة الكتابة، فأفرغ نفسه، مخه وذاته من نفسه ليكتب نصاً مستقلاً لا تماس فيه مع الذات.

إن قدرة الكاتب الروائي وعظمته، أنه لا يجعل من ذاته محوراً، ولكن خبرة أدبية وحياتية تتلون بالنص وبشخصياته بحيث يمحى المرجع الذاتي أو يكاد.

إن النص شبيه بالمجتمع بل هو صورته الافتراضية كيفما كانت الثيمة التي يختارها الكاتب، لأن الثيمة مستقلة لا تصنع نصاً والذي قد يُبنى على فكرة هاربة تبدو لنا غير ذات قيمة في الحياة، لكنها في الرواية ستكسب كل بهائها العظيم الذي يحولها إلى عمود فقري داخل الرواية، وقد يكون عنصراً حياً في نجاحها.