الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الخلوة الإبداعية

الخلوة الإبداعية، أو ورشة الكتابة الأدبية، أو الوورك شوب.. كلها مصطلحات لحالة مشتركة تكون فيها الكتابة الإبداعية هي السيدة بامتياز.

أشرفت قبل أيام قليلة على واحدة من أجمل وأطول 10 أيام للخلوات الإبداعية، في إطار الشارقة عاصمة عالمية للكتاب، تنظيماً، وتغطية، وترويحاً ثقافياً، في مكان معزول وساحر: واحات البداير، بعيداً عن المنغصات وضجيج المدن.

منذ اللحظة الأولى دخل الجميع في عمق الخلوة، برغبة في المعرفة وتبادل التجارب الأدبية، جاؤوا من آفاق متعددة من الإمارات العربية، من البحرين، من الأردن، من مصر، من فلسطين، من اسكتلندا، من كندا، وغيرها، في جو من المحبة والروابط الروحية المميزة.


طبعاً، هذه الجهود لا تستهدف خلق كُتاب إذا لم تتوفر الرغبة في التعلم والموهبة، التي تشكل حجر الزاوية في العملية الإبداعية.. ليست الخلوة إلا وسيلة للتقليل من معوقات الإبداع، وجعله يسلك طريقه الأسلم بوسائل الكتابة الحديثة، أي مساعدة من يمتلك البذرة لذلك، وتأهيله للمزيد من الإبداع وفق حد معين من القواعد.


قد يقول قائل: إنه لا قواعد في الإبداع، فهو في النهاية فعل مستقل وفريد وحر.. كلام صحيح، لكن هذه الخاصيات المتعلقة بالفن لا تكفي، فلا يمكن للذي لا يفرق بين الشخص والشخصية، والزمن الحقيقي والزمن الافتراضي، الشخصية التاريخية والإبداعية أن يكتب نصاً متوازناً.

إن الخلوة الإبداعية تعلِّم المبدع أن يدعم مكتسباته، وأن ينظمها بشكل أدق من أجل استثمارها في النص الروائي، وهو ما نسميه بالمكونات الضرورية للإبداع، لهذا وفي أي دورة، حتى ولو كان الكاتب متمرساً قليلاً، يحتاج حتماً إلى أن يمنح نفسه فرصة تكوين أعمق.

فالحديث عن الشخصية مثلاً في مكوناتها النظرية، يقتضي وجود أمثلة من خلال نصوص عالمية واضحة، فأهميتها لا تتلخص في وضعها الاعتباري كملك، عالم كبير، ثوري معروف، أو نصف إله مثل الجبلاوي في رواية أولاد حارتنا، أو مدام بوفاري، ولكن في بنائها وتشكيلاتها التي تعطيها كل مبررات الخلود.

ويمكن أن تكون شخصية عادية، ومن المجتمع السفلي، مثلاً غرونوي في رواية عطر لسونسيك، لوليتا للروائي الروسي الأمريكي نابوكوف، غافروش الفقير عند فكتور هيجو، الحرافيش في روايات نجيب محفوظ، أو عمر في ثلاثية محمد ديب وغيرهم.

إن تعلم الروائي لبناء الشخصية من خلال نماذج حية من الرواية العالمية أمر جد مهم، يفتح أمامه مساحات لبناء شخصياته الإبداعية التي يدمجها في مساحاته النصية من خلال البناء والتوصيف وحركة الزمن، وتحول الأمكنة، إذ من الصعب كتابة ذلك مفصولاً عن بقية البنية إلا في حالة الصوة الأدبية «le portrait»، صورة إنسان أو مدينة كما في موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح أو مادلين مارسيل بروست، فيصبح التمرين تجربة كتابية إبداعية.

الهدف هو أن يكتب المتدرب بثقة مستفيداً من تجارب الآخرين، ولا يتخرج المتدرب كاتباً جاهزاً، ولكن سيكتسب تجربة تساعده في تجاوز معوقات الكتابة الإبداعية.