«قبل وصولنا، لم تكن هذه القرية قد عرفت أي منبه ولا ساعة يد أو ساعة حائط.. كان الناس يعتمدون، دائماً، في تحديد الوقت على مشاهدة الشمس في شروقها وغروبها».
كانت هذه حقيقة الريف الصيني حتى عام 1971، حيث تدور أحداث رواية (بلزاك والخياطة الصينية الصغيرة) للروائي الصيني (ديه سيجي)، والصادرة عن دار نينوى من ترجمة محمد أحمد عثمان.
تبدأ أحداث القصة عندما يصل الراوي ـ في الـ17 من عمره ـ وصديقه (لو) الذي يكبره بعام إلى قرية نائية تحت ذريعة التأهيل الإلزامي للشباب من أبناء المدن، التي أطلقها الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، وفي أحداثها تتكشف الطبيعة الثقافية لحياة سكان المدينة والريف في أكبر مجموعة سكانية على كوكب الأرض.
يعيش هذان الصبيان معاناة سوء التفاهم مع سكان القرية، الذين يجهلون كل شيء يمت للحياة المدنية، فيخضعون من جراء هذا الجهل، لتوقيتات منبه الساعة الذي حمله السارد وصديقه، كما يخضعان للحكايات التي يرويها (لو) بعد أن سمح لهما بمشاهدة فيلم سينمائي يُعرض في مدينة تبعد مسافة طويلة عن القرية.
في طريق العودة من إحدى رحلاتهما، يقع (لو) في حب خياطة صغيرة، ويتقرب إليها بقراءة روايات بلزاك وفلوبير، التي سرقها من حقيبة طالب، كان هو الآخر قد أرسل لغرض التأهيل في الريف، ومن خلال هذه الروايات تكتشف الصبية الخياطة ذاتها وتتغير حياتها إلى الأبد.
هذه الرواية صغيرة الحجم نسبياً ـ (190) صفحة ـ وعلى جماليتها وسحرها، تكمن أهميتها بالنسبة لي في التعرف على ثقافة الصين، وتطورها الحديث وبناء العلاقات في مجتمعها، الذي تفصلنا عنه اللغة، وتقربنا منها عبارة (صنع في الصين) بكل ما تحمله من معانٍ.
بعيداً عن توارد الأخبار التي لا تنقطع عن كفاح شعبها ضد فيروس كورونا وضد (عنصرية الكمامات) التي يعاني منها الصينيون هذه الأيام، فإن (بلزاك والخياطة الصينية الصغيرة) هي الصين بإنسانها الذي يحب، ويفرح، ويحزن، ويتألم، ويضحك، ويبكي، ويغنّي بعيداً عن نشرة الأخبار.