الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الجائحة.. وثقافة التدوين

تتأسس المجتمعات اليوم على مجموعة من القيم الحضارية والتقنية، التي تعدُّ إحدى الركائز التي تُصنف على أساسها الدول إن كانت حضارية متطورة أو غير حضارية، ولهذا فإن عبارة (المجتمع الشبكي) تطلق على تلك المجتمعات التي ـ كما يقول بارني دارن في كتابه (المجتمع الشبكي) ـ «توجد فيها تقانة معقدة (رقمية على وجه التحديد) من الاتصال وإدارة / توزيع المعلومات على نحو شبكي، تقانة تشكل البنية التحتية الأساس التي تتوسط عدداً متزايداً من الممارسات الاجتماعية السياسية والاقتصادية..»، الأمر الذي يجعل من تلك التقانة أساساً للعلاقات الإنسانية عبر نطاق واسع بين المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والثقافية، مما يسهم بشكل مباشر في صناعة تلك السياسات الوطنية والأنظمة المتعلقة بها.

ولعل أهم ما يميز (المجتمع الشبكي) هو تلك العلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تستوعب الهُوية الوطنية من ناحية والتطور المتسارع من ناحية أخرى، ولهذا فإن هذا المجتمع لا يحقق أهدافه سوى بتأسيس شبكة رقمية تضمن دينامية التواصل وتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي ستجعل المنتج الثقافي الحضاري للمجتمع في مستوى عالمي ومستدام.

ولعل الأحداث الأخيرة التي يعاني منها العالم في ظل تفشي جائحة كورونا دليل على ذلك، وهي التي جعلت الفضاء الخارجي منفصلاً بل معزولاً عن الداخل؛ حيث عمَّ السكون وانكفأ الناس في بيوتهم منقطعين عن أعمالهم ودراستهم ومصالحهم، في هذه الأثناء نجد أن الدول التي أسست شبكة تقنية متماسكة كانت الأكثر قدرة على ممارسة حياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ ولهذا فإن الوضع من هذه الناحية يفرض طرح السؤال الآتي: هل اعتماد العالم على التقنية هو وضع استثنائي أم أنه بداية التحول الرقمي الذي ينتظره بحذر منذ سنوات عدة؟


إن هذه الجائحة من حيث استثنائيتها تقودنا أيضاً إلى فقه التأريخ الذي فقدناه مع كثير من الأحداث المهمة، وخاصة الجوائح التي مرت بالعالم بشكل عام وبالمنطقة بشكل خاص، فكثير منها انتهى ولم تحفظ منه الذاكرة الإنسانية سوى القليل، لهذا ومع هذا التطور التقني الهائل للألفية فإن ذاكرة الشبكة الإلكترونية عليها أن تحفظ لنا تاريخاً قاد العالم إلى مفترق طرق، وعلى المؤرخين والمختصين أن يتنبهوا لهذا، فالتاريخ نكتبه ليعبر عن واقعنا لا عن واقع الآخرين ورؤيتهم وما علينا سوى نقله!، الأمر الذي سيؤدي إلى إشكالات ثقافية تعيها الحكومات الرشيدة جيداً من حيث تأثيرها على الهُوية الوطنية واستدامتها؛ ذلك لأن اتكالنا على الآخر هو أيضاً جائحة!