الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

رسالة من الفضاء لـ«بغداد»

قبل 5 أيام، دعت رائدة الفضاء«جيسكا مير» ـ أمريكية من أصول عراقية ـ الأطفال العراقيين، إلى النظر إلى محطتها حين مرورها من فوق العاصمة بغداد، وطلبت منهم مراسلتها عبر موقعها الإلكتروني.

في مقطع مصور بثَّتْه وكالة الفضاء الدولية ناسا، قالت هذه المرأة الشجاعة: «إن أصولي تعود إلى بغداد.. وأنا أشاهد الآن الكثير من الأضواء تسطع من العاصمة العراقية من على ارتفاع 350 كم».

تغادر جيسكا كوكبنا في لحظة حزينة، وهناك من يتمنَّى أن يكون في مكانها ليهرب من تدفق الأخبار، التي لا تنقطع عن العدو الخفي، الذي يطارد حياتنا، ويمنعنا من الخروج إلى العالم.

قبل 2500 سنة اهتدى الفيلسوف وعالم الفيزياء اليوناني أرخميدس إلى «قانون العتلات»، الذي بواسطته يمكننا تحريك كتل كبيرة بأدوات صغيرة، وكان وقتها يفكر بالعثور على نقطة ارتكاز الأرض ليجرب معها قانونه هذا، وقد كتب إلى أحد أصدقائه: «لو وجدت أرضاً ثانية لانتقلت إليها، وحرَّكت أرضنا من مكانها».

قال أرخميدس ذلك، ولكنه نسي أن يقول لنا: كيف ينتقل إلى أرض ثانية؟.. بالتأكيد إن فكرة مغادرة الأرض كانت واحدة من أحلامه المستحيلة وقتها.

ما لم يستطعه هذا العالم العظيم، تحققه الآن جسيكا مير، ولكنها بدل من أن تفكر في العثور على مركز الأرض، أو حتى في مصير الأرض التي تعيش هذه الأيام واحدة من أحزانها الطبيعية، ابتسمت من أعماقها وهي ترى أضواء بغداد، وتتذكر أن أجدادها عاشوا فيها أجمل سنوات حياتهم، وأورثوها كل هذا الحب.

إن مركز الأرض بالنسبة لها هو بغداد، وهذه ليس مخالفة لمنطق الأشياء، فللمدن مركزيّتها العاطفية التي تتحرك حولها المشاعر بلا عتلات ولا قوانين فيزيائية.

جيسكا الآن بعيدة عن كوكبنا.. هناك في سديم الفضاء المهيب، نقطة منسية في الكون الشاسع حيث تدوي المجرات بصمت. وحيث الزمن يتقدم خارج أميال ساعتها اليدوية ولكن بغداد في قلبها.. بغداد التي لم ترها إلا وهي تخترق الفراغ الكوني المهيب.