الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

أيُّ الـ«جميلات» هزّتْ بيكاسو؟

كلما تحدثنا عن لوحة جميلة بيكاسو العظيمة، يسبقنا كثيرون إلى القول من باب العارف: لقد رسم بيكاسو وجه جميلة بوحيرد مبدياً تعاطفه مع الثورة الجزائرية من خلالها، ويقصدون طبعاً جميلة التي حُكم عليها بالإعدام، وأنقذها محاميها المعروف المرحوم جاك فيرجيس، ليتزوجها لاحقاً.

والحقيقة أن هناك 3 جميلات ثوريات، حُكم عليهن كلهن بالإعدام بعد أن وضعن قنابل موقوتة في المقاهي والمطاعم والمراقص التي يرتادها الفرنسيون، من أبناء المعمرين، لكن جميلة بوحيرد هي التي عُرِفت أكثر، وتحولت إلى أيقونة عالمية.

جميلة بوعزة التي قامت بنفس العمل، والتي توفيت بعد الاستقلال، في عزلة تامة، وأخيراً جميلة بوباشا، واسمها النضالي خليدة، وُجِّهت لها نفس التهمة فكان الحكم نفسه الإعدام بالمقصلة، لكن المحامية الفرنسية جزيل حليمي، دافعت عنها بقوة، وأوصلت قضيتها إلى العالم من خلال مرافعتها المشهورة، وكتابها الذي كتبته برفقة الكاتبة الفرنسية المعروفة سيمون دو بوفوار، الذي فضحت فيه آلة التعذيب في الجزائر، في البداية في جريدة لوموند في 2 يونيو 1960، ثم في الكتاب المشترك الذي نشر في أكبر دار فرنسية «غاليمار»، وتحول إلى وثيقة إدانة كبيرة ضد الاستعمار.


ولدت جميلة بوباشا في الجزائر العاصمة، في بلدية بلوغين في 9 فبراير 1938، ناضلت في الحركة الوطنية.. عذبت كثيراً.. واعترفت تحت التعذيب الشديد بقيامها بوضع قنبلة موقوتة، وحكم عليها بالإعدام في 28 يونيو 1961، جميلة هذه هي التي تعاطف معها بيكاسو، لأنه كان تحت تأثير الحملة العالمية التضامنية معها.


وتحولت قضيتها إلى محاكمة رمزية لجرائم الاحتلال والتعذيب الوحشي، والنفسي، والاغتصاب الذي عانت منه، فقد أصبحت قضيتها إنسانية بكل معنى، لكن هذا لم يمنع السلطة العسكرية الفرنسية من الحكم عليها بالإعدام على الرغم من أن القنبلة التي وضعتها في الجامعة في 27 سبتمبر 1959 لم تنفجر.

وبفضل تعاطف المثقفين الفرنسيين، من أمثال: سارتر، أغون، إلزا تريولي، إيمي سيزير، سيمون دو بوفوار، وغيرهم، حُول الإعدام إلى المؤبد، قبل أن يطلق سراحها بعد اتفاقيات إيفيان لاستقلال الجزائر.

في لحظة الحملة التضامنية، قرر بيكاسو أن يفعل شيئاً من أجل جميلة بوباشا، فجعل منها أيقونة نضالية حية، أسهم في إنقاذها من المقصلة، ونشر بيكاسو أول مرة الليتوغرافيا التي اختار لها وجه جميلة، على الصفحة الأولى في مجلة الآداب الفرنسية في 8 فبراير 1962، ثم غلاف كتاب جزيل حليمي وسيمون دو بوفوار.

لوحة يقدر ثمنها اليوم بحسب الاختصاصيين الفنيين، بـ 400 مليون دولار، لم يكن الفنان بيكاسو وحده من تعاطف معها، وإنما كذلك روبيرتو ماطا الذي أنجز لوحة أسماها تعذيب جميلة، والموسيقي ليجي نونو خصص لها مساحة مهمة تحمل عنوان جميلة بوباشا، في غنائية الحياة والحب Canti di Vita et Damore وغيرها، فقد حول بيكاسو بلوحته، مناضلة وطنية، إلى أيقونة حقيقية في تاريخ النضال الإنساني من أجل الحق، وضد التعذيب وامتهان جسد مقدس.