الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الفن.. والأدب

للفن علاقة بالأدب، وأفضل تشبيه يمكن وصفهما به كالتابع الحر والمتمرد للسيد النبيل، حيث يستفيد أحدهم من الآخر في علاقة مصلحية غير متكافئة، يُكافح الأدب فيها لشق طريقه كي يرى النور في ظلمة سرمدية إن انجلت للمحظوظين فيه؛ ينبري لهم الفن سارقاً أو -ربما بلفظ أكثر تهذيباً- مستغلاً ذاك النجاح المستحق، بعد جهد جهيد لم يكن ليكون له لولا عظمة أسبغت عليه فنال استحسان النقاد والمتخصصين، ولاقى إقبالاً جماهيرياً كبيراً على اقتنائه وقراءته.
هناك فرق بين الأعمال الروائية التي تكتب لتكون سينمائية وتليفزيونية وبين تلك التي سطرتها أيدي رواتها لتقرأ فقط دون أن يضعوا في اعتبارهم تحولها لأعمال مرئية، ومع ذلك وبسبب ما نالته من شهرة تم تحويلها لفيلم على يد مخرج لا يمكن مقارنته بالطبع مع الراوي، فكلاهما وإن كانا من عرابي العمل، إلا أن من كتبه وسرد تفاصيله وعبر عما فيه من مشاعر وأحاسيس ورسائل بجمل وعبارات وكلمات مكتوبة لكن متصورة لقارئها؛ سيختلف عن تصوير مخرج قرأ العمل، فعمد على انتقاء ما يناسب الرؤية السينمائية مع اقتباسات محددة لنصوص منها معروف وقعها المسبق وتأثيرها على المشاهد، وضعها جميعاً بساعتين أو أقل لتكون مرئية، وهو ما قد يتسبب بصدمة بالذات لمن قرأ العمل سابقاً، وعاش طوال تفاصيله ساعات من الخلوة معه، والتخيل الذاتي لمجراه وحواراته ومشاهده، والعزلة مع شخصياته، بضمائرهم وما يعتري نفوسهم، بأفكارهم وظنونهم، بشرهم وخيرهم، بتأنيب الضمير وصحوته، وباستحضار للبيئة المحيطة بأجوائها وطقسها وزمانها ومكانها وتفاعل الآخرين معها، ودورها في التأثير بهم وعليهم، جميعها قد تظهرها الصورة، ولكن ستكون فعلياً مجردة من الإحساس الفريد من نوعه الذي يعتري القارئ حال قراءتها، ويصعب استحضار مثيله بالنظر فقط.
العديد من الأعمال السينمائية المستوحاة من روايات عالمية فريدة وعظيمة؛ طواها النسيان وتجاهلها المشاهدون، وغابت عن الذاكرة، ليبقى العمل الأدبي وحيداً وبعيداً عنها متفرداً بأصالته، ومجسداً لما أراد كاتبه روايته، لا ما ظهر عبر طاقم فني من مخرج بارع جداً، ومصورين محترفين، وممثلين أداؤهم بلا روح رغم ما في الصورة من جودة، والأداء من إبداع، والموسيقى التصويرية من أذن موسيقية لم تكن كافية رغم جمال وقعها في إحداث أثر يشبه ذلك الذي اعترى قارئاً صامتاً.