الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

هكذا تزوج «كانط»

قبل أيام شاهدت حلقة لأحد المسلسلات الرمضانية، حيث دارت فيها مناقشة حادة بين أم وولدها المضرب عن الزواج، وكانت الشخصية داخل العمل تبدو وكأنها متأثرة بأحد فلاسفة عصر التنوير للقارة الأوروبية، لكنها وفي بنائها هشة، تتحرك داخل موسيقى تصويرية ساخرة تنتقص من جدية الشخصية وقراراتها.

أثارني المشهد وتذكرت مذكرات الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، الذي أسهم فكره في تشكيل الحضارة الحديثة، وقد أولى العقل اهتماماً جماً، فقد كتب مؤلفات: «نقد العقل المحض»، و«نقد العقل العملي»، وهي من أعقد كتب الفلسفة على الإطلاق والتي تدرس محدوديات العقل وتجلياته.

كان كانط كياناً معرفياً هائلاً، عاش حياته وهو يغوص بين الكتابة والتدريس والتأمل، حتى أنه لم يسافر طوال حياته خارج مدينته الصغيرة كونيغسبرغ، وفي مذكراته ذكر أنْ حدث مرة وفكر بالزواج من امرأة قابلها، حيث بادرت هي بعرض الزواج منه بعد محاولات لاستمالته، ومن جهته أبلغها بأنه سيفكر بالأمر، ثم عاد بعد ذلك وتوجه نحو منزلها لغرض طلب الزواج، أبلغه والدها بإمكانية زيارتها في منزلها الجديد مع زوجها وطفليها، فقد أخذ الأمر من كانط تفكيراً لا يقل مدة عن 7 سنوات في طلب الزواج هذا.

وتوصل كانط في بحثه هذا بوجود 350 سبباً يمنعه من الزواج مقابل 345 سبباً يؤكد وجوب زواجهما، لم يذكر كانط هذه القصة على أنها طرفة بل كان جادّاً في طرحه.

توضح هذه الحادثة الفرق الكبير بين زمن التعقل والتأني وبين ما نشهده هذه الأيام من سرعة جنونية في تكوين العلاقات والانزلاق في الزيجات السريعة التي غالباً ما تنتهي بالفراق، والغريب أن التأني المبالغ به حين يأتي من عقل لا يتكرر مثل عقل كانط يسرد على أنه طرفة.

نحن لا نعرف بالضرورة لذة الزواج الكاثوليكي من المعرفة، لكننا نسمح وبشكل لا يدعو للشك بمباركة مبادرات الزواج السريعة دون النظر إلى نتائجها.

في النهاية هذه ليست دعوة للعزوبية لكنها دعوة لمحاربة كسل العقل مقابل عصف العاطفة، ولذلك صرخ كانط قائلاً: استخدموا عقولكم أيها الناس!.. لتكن لكم الجرأة على استخدام عقولكم.