الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

كرة قدم كورونا.. و«غاليانو»

في مقابلة تلفزيونية، توجه مقدم البرنامج بسؤال للمخرج الأمريكي الشهير «وودي ألن»: فيما لو خُير بين بقاء السينما أو كرة القدم؟.. وقبل أن يفكر مليّاً، قال: إنه سيضحي بالسينما مقابل بقاء كرة القدم، لأن الثانية تبقى على غموضها مقارنة بالسينما التي صارت قابلة للتوقع والاستخدام التجاري.

وفي عودة الدوري الألماني قبل أيام، شاهدنا وللمرة الأولى، هذا الغموض الساحر، وهو يتكشف أمام ملاعب فارغة، وكأنها رقصة حزينة بلا موسيقى.. هذا ما حلَّ بمحبي كرة القدم بعد غيابهم عن مشهد الحياة، بعد تفشي كورونا.

لقد أدى عن بُعد، لاعب نادي بروسيا دورتموند «إيرلنغ هالاند» احتفالاً خجولاً بهدفه الأول ضد نظيره شالكه، بسبب تعلميات الدوري الألماني، وكان هذا الاحتفاء البارد بمثابة كرة من الخيبة سددت نحو صدور الجماهير، عندما كان الاحتفال بالهدف هو ذروة الهدف، وهو التحية الرسمية التي تبدأ معها الدماء تداور في أجساد المجهولين، وغفير المهمشين العاطلين والمنسيين، بينما يتحول كل واحد منهم إلى نجم كروي لامع، وهو يبتلع أنفاسه يهتف بكل تلك الصلوات والصرخات اللاشعورية العنيفة التي تبدأ معها اللعبة.

ينتصر الهدف حين يتقافز اللاعبون فوق بعضهم مثل عيون من مياه تنفجر من الأرض، يعبرون الأرواح التي تشجعهم ويروون العطش المؤقت نحو السعادة العابرة.

بعد انقطاع رفاهية كرة القدم، وهي الرفاهية الوحيدة التي لا تفرق بين غني وفقير، يشعر الملايين من محبي هذه اللعبة بالعزل التام عن مباهجهم السرية.

يذكر إدواردو غاليانو في كتابه «كرة القدم بين الشمس والظل» أن الحي الشعبي بأسره يحسد اللاعب الذي خرج منه، لأنه نجا من المصنع والمكتب، وهو في تأدية دوره في الملعب يحول الجميع الى أطفال يلعبون بالبالون، أو مثلما تلعب قطة بكبة صوف.

فلو عاش غاليانو بيننا هذه الأيام، لشهد الفراغ الكئيب وهو يصفر في الملاعب، وقلوب أولئك الذين يشتاقون إلى طفولتهم، ويحلمون بأقدامهم المتخشبة وهي تتحول مع صافرة الحكم إلى رياح عنيدة، كممتها شروط التباعد الاجتماعي والوباء الذي منع الهتاف المجنون والحب الذي يمزق الحناجر في الملاعب.