الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

اقرؤوا.. تصحوا

ما الفرق بين الأمم التي تقرأ والعازفة عن القراءة؟ وهل هو في كون الأولى متقدمة إنسانياً ومعرفياً حقيقي وواقعي، أم أن المسألة لا تعدو أن تكون ثانوية في مقاييس التطور؟ بل ربما هي كما يبرر المشككون المقللون من شأنها بينهم.

وهل هي عادة وطبع وفضول غير ذي بال، ولا يرقى لهالة الأهمية التي تمنح لها، ولا تُقدم في كلا المثالين في السؤال السابق من حيث معايير أخرى حقيقية وواقعية كالأمية والشفافية والنزاهة والرفاه؟ فهم - على حد قولهم - المعيار الحقيقي لتقدم الأمم، وبالتالي مواطنوها هم الأكثر وعياً ورقياً، وليست القراءة هي التي قادتهم لما هم فيه بل الوعي والعدل والأمن والاستقرار الاقتصادي!

القراءة والثقافة والوعي والرفاه والأمان.. جميعها على حد كبير من الأهمية التي تكمن بترابط الناس، فهم حلقات في السلسلة ذاتها تقود جميعها لبعضها، مُشكلة ومُكونة قوتها وتماسكها، فبغياب إحداها تتفكك وتهوى البقية، لذا لا يمكن الحديث إلا عنها مُجتمعاتٍ، وإن كانت القراءة برأيي المشكل الأول والأساسي لأولى الحلقات، فالوعي مثلاً لا يتحقق إلا بالاطلاع ولا يكفيه الاستماع فقط والمشاهدة، كما أن الثقافة بدورها لا تتحصل إلا بالقراءة، ‏ومن هنا تكمن أهميتها بكونها المعيار الأساسي لكل ما هو متقدم وخير ونفعي وإنساني، فهي التي تهذب السلوك عبر إثرائها المعرفة، وتسهم في التطور الذي يتحصل بعد توسيع المدارك وخلق آفاق فكرية واحتياجات جديدة، ومن ناحية صحية لها فوائد علاجية، فهي تجعل للحياة متعة، وللأداء فيها صبر وللكلام خلالها جمال ووقع حميد على النفس.


الإنسان الذي يقرأ وإن مر بمراحل انهزام وكبوة، لا بد له أن يقف مجدداً وأن يواصل حياته، وإن فاتته علوم ومعارف إلى حين نتيجة ظروف معينة فسيتحصل عليها لاحقاً بالقراءة، كما أنه وإن كان جزءاً من بوتقة اجتماعية معينة إلا أنه يبقى محافظاً على الوعي الفردي وغير منقاد بالكامل لثقافة الجموع بدون دور بها، بل يحظى بتأثير فيها عبر امتلاكه للمعلومة والفكرة، كما أنه ومهما كانت درجة تعليمه وواسع اطلاع لديه حصيلة وافرة من المعلومات، تمكنه من فهم ما يدور حوله والمشاركة برأيه فيه.


القراءة عوالم لا حدود لها، يبحر فيها ويجول من يملك سلطانها مستمتعاً، متنعماً بنعيمها، أما خاسرها فلا عزاء يكفيه وإن امتلك الدنيا وما فيها.