الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

وقت الفراغ الاضطراري

من أجمل لحظات حياتنا، تلك التي كنا نسرقها من زحمة الوجود، ونهرب بذواتنا بدون شعور بالزمن.. هذا الوقت المستقطع الذي هو حصتنا من تعاقب الفصول وتسابق السنوات، هو تاريخنا الذي لم نكتبه ولم نشاطره الآخرين، حيث رحلتنا إلى قارة الروح الشاسعة.

أما أن يكون وقت الفراغ سيداً مطلقاً أو ديكتاتوراً متحكماً، فهو أشد الأوقات زحمة وارتباكاً.. حيث لا فراغ في وقت الفراغ الممل، والمستبد بهواء النهار، ووحشة الليل، وقلق عقارب الساعة التي تدور من غير انتباه.

العالم كله يقاسمك وقت فراغك ويحتل معك مقعد الزمن ويزاحمك على الثواني واللحظات.. العالم كله يسقط في الفراغ ويستهلك معك هذا الدوي الذي كنا نسميه الزمن.

نعم نحن نعيش زحمة اللاعمل.. نعيش العزلة الاضطرارية والوحدة المتجهمة، ليس لدينا وقت فراغ من هذا الفراغ الذي تحول إلى قانون حياة.

كم كانت الدقائق ثقيلة عندما تبدأ الطائرات هبوطها التدريجي، وكم كنا نتسابق عند بوابات المطارات لنكسب دقائق لا نعرف كيف ننفقها؟ وكيف أصبحنا هكذا معلقين في طائرة الكوكب بدون موعد للهبوط، وبدون مطبات هوائية تشعرنا بذلك القلق السعيد؟

نفكر بلطف البيوت الحميمة، وهواء الشبابيك، وعطر الحدائق، فأصبحنا أسرى الأبواب الموصودة، والستائر التي تطيل تحديقها بوجوهنا كأنها تستغرب هذا الصمت الثقيل.

ما الإنسان إذا لم يكن مع الأصدقاء، يشاركهم فسحة الوجود.. الأصدقاء الذين رمتهم المصادفات السخية في طريقه، أولئك الذين نشعر بقربهم بالسعادات الطارئة.

كان أرسطو يقول: «لا بد للمرء من أن يحس، أيضاً، بوجود صديقه مع إحساسه بوجوده، وهو ما يحدث عن طريق العيش معاً وعن طريق مشاركة الأفعال والأفكار معاً، وبهذا المعنى، نقول إن البشر يعيشون معاً، بخلاف الطيور التي تتقاسم السماء ذاتها»

عزيزي أرسطو خذ مني كل هذا الوقت الفائض عن الحاجة، وامنحني نهاراً واحداً من التبطر، مساء واحداً مع الأصدقاء.. خذ كل هذا الوقت وأعدني إلى ازدحام الأيام الماضية.. لقد تعبت من وقت الفراغ.