الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

«بورخيس».. ولغة الحياة الحقيقية

يتضمن كتاب «صنعة الشعر» ست محاضرات قدمها الكاتب خورخي لويس بورخيس في جامعة هارفرد ( 1967 )، يُغني بورخيس محاضراته بما لا حصر له من الأمثلة والنماذج النصية التي تترسخ جمالياتها دوماُ في العمق الجوهري للأدب، ويتحاور مع مؤلفين ونصوص لم تفقد متعة العودة للاستشهاد بها والتعليق عليها.

فمثلاً في محاضرة (لغز الشعر) يرى بورخيس أنه أخطأ حين عنون محاضرته بهذا الاسم، لأن ذلك قد يدفع المتلقي إلى الاعتقاد أن بورخيس قد اكتشف المغزى الحقيقي للغز، والحقيقة أنه لا وجود لأي كشف يقدمه سوى أنه أمضى حياته يقرأ ويحلل ويكتب، ليكتشف في نهاية الأمر أن هذا هو المهم.

يقدم خورخي لويس بورخيس شهادة حول تجربته الإبداعية ليس ككاتب فقط وإنما كقارئ أيضاً، مع أنه يعتبر نفسه قارئا في الأساس الأول ولكنه تجرأ على الكتابة، يعترف بان ما قرأه أهم بكثير مما كتبه، فالمرء من وجهة نظره يقرأ ما يرغب فيه لكنه لا يكتب ما يرغب فيه وإنما ما يستطيع، إذ أن القارئ شخصية متخيلة، فعندما يكتب يحاول أن يكون مخلصاً للأحلام وليس للظروف.. معترفا أن في قصصه أحداث حقيقية، ولكن لسبب ما اعتقد أن هذه الظروف يجب أن تُروى دائما بجرعة معينة من الكذب، بمعنى علينا أن نبدل بعض الأشياء حتى لو بدت لنا تافهة، وإذا لم نفعل ذلك فلا يمكن لنا اعتبار أنفسنا فنانين.


في احدى محاضرات الكتاب تحدث بورخيس عن الشعر الملحمي وما يتعرض له من نسيان في عصرنا الحديث، ويتنبأ بموت الرواية، ولكنه في الجانب المقابل يدافع عن القصة القصيرة فهو يرى أن الناس لا يتعبون أبداً من سماع وحكاية القصص.


كما يقدم بورخيس تعريفات عدة للشعر لعدد من المفكرين، التي منها أن الشعر هو التعبير عن الجمال بكلمات محبوكة بصورة فنية، ولكن هذا التعريف بحسب بورخيس يمكن أن يصلح في معجم أو في كتاب تعليمي، ويبدو قليل الإقناع، هنا يقدم وجهة نظرة روبرت لويس ستيفنون: إن الشعر بطريقة ما يقترب أكثر من الإنسان العادي، ذلك أن مادة الشعر هي الكلمات، وهذه الكلمات هي لغة الحياة الحقيقية.. إننا نستخدم الكلمات للأغراض اليومية، والشاعر هو الذي يحولها إلى شيء سحري.