الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

الضَّحك من شدة الخوف

في حاجتنا إلى الضحك هذه الأيام، تشغلني دائماً «سارة برنار» ملكة المسرح الفرنسي وأشهر ممثلات العالم في القرن الـ19، والتي كانت تعاني من نوبات هستيرية من الضحك، مما أفقدها الكثير من الفرص في بداية تجربتها مع فن التمثيل، فبسبب حركة عابرة لم يلحظها أحد، أو كلمة باهتة يتفوّه بها شخص ما، تجعلها تهتاج من الضحك، حتى يتطور الأمر أحياناً إلى دك أقدامها بقوة لتسقط على الأرض.

رغم ما عانته هذه المرأة الموهوبة من التأرجح بين حياة بائسة وأخرى برفاهية لا تقاوم، كانت تقول: إن آفة الضحك هي العدو اليومي والصديق الأعز في الوقت نفسه، فلا يمكن أن تحقد على عدو يدعك هكذا خالي البال بلذة مفرطة ساهياً وسعيداً وفي سلام مع نفسك.

كانت تؤمن أن الضحك هو الدرع السحري ضد آلام الحياة، ضد أسلحة التعاسة، حتى أنها قاومت آخر هجمة للضحك في يوم وفاتها، حين استدعت العائلة قسيساً مع طفلين من أطفال الكورال، وبدأ القسيس في سرد الموعظة الأخيرة، وتبعه الطفلان بصوت عال، وكان أحدهما مشدوهاً ينظر في الفراغ، فانشغلت هي بمقاومة الضحك على نظرته الغريبة، ويقال إنها ضحكت، وضحكت حتى ماتت، وبهذا ودَّعت برنار دنياها، مُخلِّفة وراءها أطول قهقهة عرفها شخص يغادر إلى العالم الآخر.

مواطنها الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون تعامل مع الضحك بوصفه «شيئاً جاداً»، وخصص كتاباً معروفاً عنوانه «الضحك» بوصفه ظاهرة اجتماعية تحتاج إلى من يشاركنا إياها: «إننا لا نتذوق الهزل (النكتة) إن شعرنا أننا وحدنا، إذ يبدو أن الضحك يحتاج إلى الصدى.. وأن ضحكتنا هي دوماً ضحكة المجموعة»

في الأزمنة المرة والقاسية، نحتاج إلى شيء من لا مبالاة سارة برنار وجمع من الناس أيضاً، لأن الضحك وبحسب برغسون أيضاً لا يمكن أن يحدث هزة إلا إذا وقع على سطح نفس هادئة جداً، ومتماسكة.. إن اللامبالاة هي بيئة الهزل الطبيعية، والضحك ليس له من عدو أكبر من الانفعال والوحدة معاً.. ليس الضحك دائماً علامة على سعادتنا فأحياناً كثيرة نحن نضحك من شدة الخوف.