الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«الكاسكا الليبية».. عطش آني لـ«حكيم»

شكَّلت أزمة المياه والعطش في ليبيا ركناً مهمّاً منذ القدم، نسبة لطبيعة المنطقة الصحراوية، فمثلاً كانت النساء الليبيات في الماضي البعيد يدلقن الماء خلف المسافرين متمنين لهم سفراً آمناً والعودة سالمين، ومن الفنون التي ارتبطت بمسألة الماء والعطش رقصة «الكاسكا» الليببية (تعتبر من التراث الليبي الأصيل، وتعتبر من أقدم فلكلورات العالم، أي قبل رقصة السامبا البرازيلية وغيرها)، وفي الرقص الشعبي الليبي عموماً، أخذ الماء، والصراع من أجله حيزاً كبيراً.

يظهر أول تصوير لهذه الرقصة الليبية، على جدران المعابد المصريّة قبل 5 آلاف سنة، حيث تصور الجنود من قبائل «التحنو» الليبية وهم يرقصون الكاسكا باستخدام السيوف والعصا، ولا تزال هذه الرقصة موجودة إلى يومنا هذا نراها في المهرجانات التراثية، وهي منتشرة في: غريان، ونالوت، ويفرن وزوارة.

تبدأ القصة بخروج فتاة ليبية من قبيلة التحنو، ذاهبة إلى بئر تبعد عن مكان القبيلة، وعندما تقوم برمي الدلو في البئر يتعرض لها أحد قطاع الطرق ويمنعها من متابعة ملء جرتها، ويأخذها منها، فتذهب مستنجدة بأحد أفراد قبيلتها، الذي يدخل المشهد واثباً، فيدفع المعتدي، الذي يخرج مستنجداً.


وهكذا تلتقي القبيلتان في مواجهة، تبدأ بالتحميس في مجموعة من الحركات، في مواجهة مباشرة، ومن ثم تبدأ المواجهة المسلحة متمثلة في العصي، التي تتقابل أعلى رؤوس الراقصين، وتتضمن الرقصة جماليات تتمثل في سرعة الحركة، والتشكيلات التي تتبدل برشاقة.


وفي ذروة المواجهة، بين الراقصين وعصيِّهم، وهم يتبادلون المواقع والحركات، يتدخل رجل حكيم، رافعاً عكازه ليوقف الصراع بين المجموعتين، وبحكمة كبار السن ينهي الصراع، فيأتي بالمرأة إلى البئر، ويطلب من المعتدي أن يعيد الجرة مملوءة لها، ويتصالح الجميع، ويعودون للمواجهة، ولكن هذه المرة رقصاً وفرحاً بالسلام.

ولعلّ هذه الرمزية في رقصة الكاسكا ـ التي يزاولها الليبيون من سكان الصحراء منذ آلاف السنين ـ تجعل كل مشاهد يربط تفاصيلها بغريزة البقاء، وبحسب الكاتب منصور بوشناف: العطش والارتواء مفردتان دائمتا الترداد في الفنون الشعبية الليبية، عطش للماء والحب والأمان.

وفي وقتنا الحالي هناك من ربط بين هذه الرقصة والوضع الليبي، فمثلاً إذا وضعنا السلطة بدل الماء لوجدنا أننا نعيش رقصة كاسكا تستخدم فيها الأسلحة الفتاكة بدلاً من العصي، وقد تكون الفتاة رمزاً لليبيا، التي تفتقد اليوم رجلاً حكيماً يصلح بين الفرقاء.