الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

كمامات أخلاقية

من الدروس التي نتعلمها من التباعد الاجتماعي معنى المسافة مع الآخر، تلك الفسحة المكانية التي تجنبنا الخطر، فالإنسان تعوّد في حياته، ومنذ الإغريق، أن يجد المكان الذي تُلغى فيه المسافات، وأسس من أجل ذلك الفضاءات العامة وساحات الاحتفالات والمناقشات.

إن كلمة (Agora) اليونانية تعني المكان الذي يجتمع فيه الناس في مركز المدينة، لكي يناقشوا أمورهم العامة، وهذا هو معنى المدينة لدى العديد من الفلاسفة، فدون التقارب الاجتماعي ليست هناك حياة مدنية حقيقية، فلا قيمة لكل ما ينتجه الإنسان أو يفكر فيه دون مشاركة من الآخرين!

اليوم نحن مضطرون للعزلة، وأن نراقب الزمن يتدفق من حولنا دون أن نكون موجودين فيه، نحن نتباعد بمسافة مناسبة لنتجنب إلحاق الألم ببعضنا، فما هو الدرس الذي تريد الطبيعة أن تعلمنا إيّاه؟ وهل التباعد الاجتماعي بحد ذاته أمر صحي وجيد بالنسبة لنا؟

بالتأكيد لا، فلقد ولدنا في هذه الحياة وسط أمواج متدافعة من الأجيال البشرية، التي ترغب في الثرثرة مع بعضها، فاخترعنا سؤال الطقس مثلاً، لكي نبدأ حواراً عابراً حتى لو كان بلا هدف أو معنى.

لكن قبل أن يشيع مصطلح التباعد الاجتماعي، كانت تجاربنا تعلمنا درساً آخر حول المسافة، هو التباعد الأخلاقي.

إن الناس الطبيعيين يتركون فراغاً واضحاً بينهم وبين من لا تنسجم أخلاقهم معهم، وهذا ما يمكن أن نسميه بالتباعد الضروري لحماية أمزجتنا من أصحاب الأخلاق السيئة، وحراسة أرواحنا من سلوكياتهم التي لا تتلاءم مع طبائعنا.

وبالفعل، وللأسف الشديد، فهناك من أدمنوا الإساءة لسواهم بسبب أو بدونه، وهؤلاء يستحقون أن نضاعف المسافة بيننا وبينهم أكثر من تلك التي يفرضها فيروس «كوفيد-19».

إن بعض البشر هم «كوفيدات» خطيرة، ولابد من مراعاة المسافات معهم، وإلا فإنهم ينتعشون ويتكاثرون حين نعطيهم حق الاقتراب من عالمنا، مع الاحتفاظ بـ«كرامتهم الإنسانية».

إن التباعد الأخلاقي لا يحتاج إلى توصيات منظمة الصحة العالمية، فهو ينبع من داخل تجاربنا الاجتماعية، ومن أرواحنا وعقولنا معاً، حتى نعيش حياة بمزاج مريح دون «كمامات أخلاقية» نضطر لارتدائها كلما صادفنا تفاهة الشر.